كتب هادي العنزي: تعيش منطقة الشرق الأوسط اضطرابا أمنيا منذ عدة سنوات، أفضى إلى تغيرات أمنية كبيرة لعل أبرزها، "توحش" الإرهاب وتغوله في مفاصل الكثير من الدولة العربية، وظهور ما يسمى بالدولة الاسلامية أو ما يطلق عليه اصطلاحا "داعش" وذلك بعد احتلالها مساحات شاسعة من العراق وسورية، الأمر الذي جعل من مواجهة الارهاب أمرا لا مفر منه سواء للدول المحيطة أو الدول الكبرى، لاسيما وأن الجميع متأثر ويخشى أن تطاله يد الإرهاب حتى وإن بعدت المسافة عن منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، ولعل الانفجارات الإرهابية التي أزهقت أرواحا كثيرة في العاصمة الفرنسية باريس، أقرب الأمثلة وأحدثها على ما يمكن للإرهاب أن يفعل، وإماكنية وصوله للدول التي تولي الأمن مرتبة متقدمة.
"المستقبل" نقلت الكثير من الأسئلة الشائكة إلى الخبير الأمني اللواء "طيار متقاعد" يوسف الملا المتخصص في إدارة الأزمات والمخاطر، الذي اكد انه يجري تقسيم منطقة الشرق الاوسط وفقا للمخطط الغربي
سايكس بيكو جديد
هل المنطقة مقبلة على اتفاق سايكس بيكو جديد يفضي الى تقسيم المقسم وتجزيء المجزء؟ سؤال اجاب عليه الخبير الأمني اللواء المتقاعد الأمني يوسف الملا عنه بالقول ان فهم الاحداث الحالية بصورة واضحة جلية، تتطلب مراجعة تصريحات المسؤولين الغربيين والإسرائيليين عن مخطط الشرق الأوسط الجديد أو ما يسمى "World Order New " .
اللواء المتخصص في إدارة الأزمات والمخاطر أكد لـ "المستقبل" بأن مخطط الشرق الأوسط الجديد يتم تطبيقه وتنفيذه على ستة مراحل رئيسية وهذه المراحل متداخلة في وقت البدء والانتهاء، فمنها ما تم تنفيذه، ومنها ما هو جار العمل فيه ومنها ما ينتظر دوره في التنفيذ انتظارا للحظة المناسبة".
الربيع العربي لإستغلال نقاط الضعف
الخبير الأمني اللواء متقاعد يوسف الملا ذكر لـ "المستقبل" بأنه لا بد من توضيح المراحل الستة لمعرفة أبعادها وأهدافها، وقال ان "المرحلة الأولى من عدة فصول، بحيث يتم خلالها استغلال نقاط ضعف سلبية في دولة ما، وعن طريق تحريض ضعاف النفوس من المواطنين لتأجيج الشارع، يكون معهم مواطنين تدربوا مسبقا على مبادئ الثورات "اللاعنفية" في معاهد ومنظمات متخصصة مثل منظمة "ابتور" الصربية، وأكاديمية التغيير والتي لديها فرع في احدى الدول الخليجية".
ولزيادة حدة التوتر، وتمهيدا لإخراج سيطرة رجال الأمن والحكومة على الوضع العام في الدولة، يتم الزج بالعملاء والمرتزقة، وذلك تماما كما حدث في تونس ومصر وليبيا، بحسب اللواء متقاعد يوسف الملا.
ولفت الخبير الأمني بأنه كانت هناك محاولات لتطبيق هذه الأحداث وبالشكل المتسلسل لها في الكويت، لكنها فشلت بفضل الله سبحانه وتعالى وحكمة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح – حفظه الله ورعاه - فقد قال سموه في حديث سابق "كادت الكويت أن تضيع".
الملا لـ "المستقبل": الحرب بالوكالة بدأت بغزو صدام للكويت
اللواء المتقاعد يوسف الملا يرى بأن المرحلة الثانية هي مرحلة الحرب بالوكالة، وهي عادة ما يتم فيها الزج بدولة أو جماعات مسلحة ضد دولة أخرى. واعرب عن اعتقاده في حديثه لـ"المستقبل" بأن هذه المرحلة ذات فصول متعددة، والفصل الأول منها بدأ في الثاني من اغسطس 1990م، وذلك عندما اعطت السفيرة الأمريكية في العراق آنذاك "الضوء الأخضر" لصدام حسين ليقوم بغزو دولة الكويت، لأنها كانت الوسيلة الوحيدة التي تمكنهم من القضاء على العراق وقوته العسكرية، لاسيما بعد حربه مع ايران لثماني سنوات، وقد تم خلال ذلك تحقيق أكثر من هدف، ومنها استنزاف أموال دول الخليج الغنية، بعدما وصلت إلى مئات المليارات، وتحطيم قوة العراق العسكرية، وخلق تشنج في العلاقات بين بعض الدول العربية، كما تم أيضا عودة القواعد العسكرية الأجنبية في أكثر من دولة.
الغرب يمد الجماعات المسلحة بالعتاد
اللواء المتخصص في إدارة الأزمات والمخاطر يوسف الملا أكد لـ "المستقبل" بأن الفصل الثاني من مرحلة الحرب بالوكالة، قد بدأت في العراق بعد سقوط صدام حسين، ثم انتقلت إلى سورية، حيث تكونت الجماعات المسلحة، والتي بدأت تنتشر بسرعة غريبة، وازدادت قوة، حتى سيطرت على أراض شاسعة في العراق وسورية وليبيا، وتعد المساحة المسيطر عليها من هذه الجماعات ثمانية أضعاف مساحة دولة الكويت، بحسب اللواء متقاعد يوسف الملا.
وعن السبب وراء استمرارية هذه الجماعات، أوضح اللواء متقاعد الملا بأن دعم بعض الدول الاقليمية والغربية هو السبب وراء استمراريتها، وذلك بعدة طرق سواء مدهم بالتجنيد البشري أو بالعتاد العسكري أو السلاح وغيرها، وأضاف "حاليا نتابع تأثير التدخل الروسي ضد هذه الجماعات على الأراضي السورية، الذي بدأ بتاريخ 30 سبتمبر 2015م، ولفت اللواء يوسف الملا " علينا أن لا ننسى بأن هناك تحالف غربي بقيادة امريكا ضد هذه الجماعات، وقد بدأت العمليات الجوية ضد تلك الجماعات منذ أكثر ما يزيد عن اثنى عشر شهرا، ولكن دون فائدة تذكر.
زرع الطائفية بالعمليات الإرهابية
الخبير الأمني اللواء طيار متقاعد يوسف الملا ذكر أن المرحلة الثالثة هي مرحلة زرع الطائفية في المنطقة، وأضاف هي مرحلة تتم فيها عمليات ارهابية تستهدف مواقع دينية مثل المساجد والحسينيات (سواء للطائفة السنية أو الشيعية)، والهدف من وراءها تأجيج الطائفية لتفكيك المجتمع في بعض دول الخليج، وذلك كما حدث في السعودية والكويت، كما يتم تغذية الفكر الطائفي إعلاميا، أو بطرق اخرى لخلق التوتر وشحنه ليصبح المجتمع قريبا من النزاع الأهلي، وبالتالي ينعدم الأمن.
وأشار الملا بأن بداية هذه المرحلة كانت محدودة عام 2014م، بينما ارتفع هذا النشاط بشكل ملحوظ عام 2015، وتوقع الخبير الأمني أن تستمر هذه المرحلة بسبب سهولة طرق القيام بها ونتيجة توافر المناخ الناسب.
النزاع بين الدول والقتال المحدود
اللواء متقاعد يوسف الملا يرى بأن المرحلة الرابعة يتم خلالها خلق نزاع بين الدول للوصول إلى عدم الاستقرار، بحيث يكون عنصر جيد لاستنزاف القدرات العسكرية والموارد المالية، ولفت النظر عن أحداث أخرى تحصل في مواقع قريبة أو بعيدة عن الأحداث، وذلك كما نشاهد حاليا في سوريا والعراق وتركيا وغيرها من الدول، وهذه المرحلة تسمى بـ "الفوضى الخلاقة" أو "creative chaos"، ويطلق عليها الملا وصف "خلق الفوضى" أو "chaos creating"، وهذه طريقة يتم استخدامها داخل دولة ما أو بين دولتين أو أكثر بحسب المتخصص في إدارة الأزمات والمخاطر اللواء يوسف الملا.
"القتال المحدود" هي المرحلة الخامسة وفقا للواء المتقاعد يوسف الملا، ويوضح بأنها مرحلة قتال محدود بين دولة وأخرى أو بين جماعات مسلحة لتدمير ما تبقى من البنية التحتية للدول التي تدور بها الأحداث، كما في سوريا والعراق، وأضاف "نلاحظ بأن، هناك بوادر لهذه المرحلة وقد تزيد وتصبح واضحة المعالم في المستقبل".
المرحلة الأخيرة.. التقسيم الرسمي
المتخصص في إدارة الأزمات والمخاطر اللواء متقاعد يوسف الملا أكد لـ "السمتقبل" بأن المرحلة السادسة والأخيرة هي مرحلة التقسيم الرسمي لبعض دول المنطقة ذات الحجم والقوة مثل العراق وسوريا ومصر وليبيا وغيرها، وأضاف الملا "القصد من التقسيم هو إضعاف هذه الدول، ثم تركها تعيش في صراعات لخلق استمرارية في عدم الإستقرار.
اللواء متقاعد يوسف الملا شدد في حديثه لـ "المستقبل" على أن جميع تلك المراحل هي باختصار تمثل مخطط الشرق الأوسط الجديد ضد الدول العربية والكبرى منها خاصة، والهدف من ذلك لتدمير البنى التحتية واصابة الاقتصاد لتلك الدول في مقتل، وإضعاف قدراتها العسكرية. واشار الى ان العراق حاليا مقسم إلى ثلاثة مناطق بصورة غير رسمية بحسب الخبير الأمني يوسف الملا، وأضاف ان "هناك من الغربيين من يقول بأن العراق لن يعود دولة كما كان في السابق، ولعل هذا الأمر لا يتوقف عند العراق، فمن الممكن أن يشمل دولا أخرى في المنطقة، فالمخطط مبني لعشرات السنين، ويتم تعديله بحسب النتائج على الأرض
|