لا عودة للعلاقات مع سوريا.. لا وساطة مع المصريين.. ولا مستقبل للتطرف في تونس
تونس- سامي السلامي: راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة، شخصية لعبت دورا فاعلا وحاسما في الحياة السياسية التونسية بعد الثورة خصوصا في ظل الحكومات التي شاركت فيها حركة النهضة التي يتزعمها. لكن مواقف زعيم النهضة منذ لقاء باريس التاريخي صيف العام 2013 مع الرئيس التونسي الحالي الباجي قائد السبسي، لعبت دورا مهما في إنجاح المسار الديمقراطي في تونس كاستثناء وحيد في دول ما يعرف بالربيع العربي، وجنّبت البلاد من السيناريو المصري عقب الانقلاب على الرئيس الاسلامي المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي، لا سيما وان الحركة قدمت تنازلات كبيرة في اطار آلية التوافق وصل بها حدّ تخليها عن الحكم.
وفي لقاء خاص وحصري مع صحيفة "المستقبل"، استعرض راشد الغنوشي مواقفه من أبرز القضايا السياسية الجدلية والراهنة فجدد التأكيد على موقف الحركة من قانون تحصين الثورة، وأعلن دعمه للمصالحة مع رجال الاعمال، ونفى مسؤولية الحركة عن تفشي ظاهرة الارهاب في البلاد لافتا الى انها الاكثر تضررا من هذه الظاهرة لا سيما وان حكومتين للنهضة تم اسقاطهما بسبب الارهاب.
كما أكد الغنوشي ان لا عودة للعلاقات الديبلوماسية مع سوريا، نافيا في الوقت نفسه اي وساطة يقودها للمصالحة بين السلطة المصرية والاخوان، وجازما بأن لا مستقبل للتطرف في تونس.
الحكم في تونس توافقي وليس اغلبي
تشارك حركة النهضة في حكومة نداء تونس، مشاركة قال عنها البعض انها انخراط للحركة في برنامج الحزب الأغلبي لكن الغنوشي يرد على هذه المقولات بالقول "إن الحكومة القائمة هي ليست حكومة حزب واحد وإنما هي حكومة ائتلاف بين أربعة أحزاب وهي حاكمة وليس حزب حاكم واحد، وهذا ترجمة لخاصية من خواص البناء الديمقراطي في تونس، وهو بناء طبيعته توافقية، فالحكم ليس حكم أغلبية فقط إنما هو حكم توافقي نقدّر أنّه ميّز النموذج التونسي وصنع منه استثناء، بينما النماذج التي اعتمدت على ثنائية الحكم والمعارضة والمغالبة واعتماد الحكم على 51 بالمائة تبيّن أنّها لا تصلح لا للديمقراطية العريقة ولا للمراحل الانتقالية".
لسنا نادمين على موقفنا من قانون "تحصين الثورة"
وبخصوص بوادر عودة المحسوبين على النظام القديم في الإدارة التونسية وعما اذا ما كانت الحركة نادمة على عدم التصويت على قانون تحصين الثورة يؤكد راشد الغنوشي ان حركته لا تميز بين ما قبل الثورة وما بعد الثورة "فكلنا تونسيون، ولذلك اعتبرنا أنّ كلّ من انضوى تحت مظلة الدستور هو مواطن تونسي كامل المواطنة له كامل الحقوق، واذا كانت عليه مؤاخذة قانونية فالمحاكم تفصل في ذلك، ولكن كل التونسيين مؤهلون للقيام بأي وظيفة مادامت تتوفر فيهم الشروط القانونية، أما عن قانون تحصين الثورة فنحن لسنا نادمين عن عدم التصويت عليه اذ أنّ أهم ميزة في الانتقال الديمقراطي التونسي هو اعتماد فكرة المصالحة وليس فكرة القطيعة بين الحاضر والماضي".
"النهضة" تدعم المصالحة مع رجال الاعمال
أما مبادرة الباجي قائد السبسي للمصالحة الاقتصادية مع رجال الأعمال في ظل رفض هيئة الحقيقة والكرامة لها، ما زالت تثير جدلا كبيرا بحسب الغنوشي الذي يشدد على أن الحركة نادت بمبدأ المصالحة حتى قبل الثورة "وهو بند أساسي حتى في خطبنا لأنّ البلاد تحتاج إلى مصالحة، والآن موضوع المصالحة تتجاذبه اتجاهات كثيرة سواء من المشروع الذي دعا اليه الرئيس أو من مشروع العدالة الانتقالية الذي أقرّه المجلس الوطني التأسيسي، وقد يكون مناسبا نوعا من التخصص أن تتجه المصالحة الى القضايا المالية باعتبار أنّها لا تتحمل البطء ولا تتحمل مزيد من التطويل فهذه أموال نهبت من الشعب والشعب يحتاج إليها لتعود إليه لتساهم في التنمية خاصة في المناطق الفقيرة، كما أنّه لا مصلحة للشعب في أن تستمر هذه الأموال معطلة ويستمر تبديدها عن طريق الوسطاء وعن طريق القضاة المعينين لإدارة شركات كبرى، فالعدالة الانتقالية يمكن أن تتجه إلى معالجة المظالم السياسية التي حصلت عبر نصف قرن من تاريخ تونس".
حركتنا الاكثر تضررا من الارهاب
الغنوشي وفي حديثه لـ"المستقبل" يرفض اتهامات اليسار التونسي لحركة النهضة بأنها تتحمل المسؤولية السياسية والاخلاقية لتفشي ظاهرة الإرهاب والاغتيالات السياسية ويقول أن "هذا توظيف سياسي رخيص باعتبار أنّ الإرهاب هو مصيبة ولا ينبغي الاستثمار في المصائب وإنما مطلوب توحيد الصف الوطني في مواجهة المصائب، والإرهاب هو مصيبة وطنية ومحاولة توظيفها ضدّ خصم سياسي هو توظيف رخيص كما قلت لأن الجميع في الحقيقة متضرّرون من الإرهاب وكل المجموعة الوطنية هي متضرّرة" مشيرا الى ان حركة النهضة هي الطرف الأكثر تضررا لأنّ الاغتيالات السياسية التي مارسها الإرهاب هي التي أفضت إلى تأزيم الوضع السياسي في تونس واخراج النهضة من الحكومة "فالارهاب اسقط حكومتين للنهضة وهذا ما كانت تطالب به المعارضة فجاء الارهاب كأداة لتنفيذ السياسة التي عجزت عنها المعارضة اليسارية يومئذ".
لا عودة للدولة البوليسية
لا تبدو حركة النهضة متخوفة من عودة الدولة البوليسية بعد اعلان حالة الطوارئ المفروضة في البلاد لأن الثورة في تونس بحسب الغنوشي طوت مرحلة وفتحت مرحلة أخرى، وتاريخ تونس بات يقسم بما قبل الثورة وما بعد الثورة، فما قبل الثورة نظام الحزب الواحد وتعددية زائفة وانتخابات يفوز فيها الحاكم بنسبة 99.99 بالمائة وإعلام خشبي وأموال محتكرة عند عائلات الحكم، وهذه الأصنام سقطت اثر الثورة كما سقط هبل واللات والعزة يوم فتح مكة، وتونس اليوم تعيش مرحلة التعددية ونداء تونس نفسه لم يقدم نفسه للتونسيين على أنّه استمرار لحزب التجمع وانّما قطيعة مع التجمع وقدّم نفسه ضمن نظام آخر وضمن دستور تعددي أقرّ المنافسة والاعلام الحرّ والتداول السلمي على السلطة.
لا عودة للعلاقات مع سوريا
كيف تنظر حركة النهضة الى بوادر عودة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا؟ سؤال يُجيب عنه الغنوشي بالتأكيد على ان لا عودة لهذة العلاقات حتى الان، فالعلاقة كما يقول "ما زالت مقطوعة والمكلف بالعلاقات الخارجية ليس وزير الخارجية الطيب البكوش انما رئيس الدولة وهو بنفسه كان قد صرّح أنّه من المبكر عودة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، وكل ما في الأمر أنّه وقع فتح مكتب اداري قنصلي لتيسير شؤون الجالية التونسية في سوريا".
لا وساطة بين المصريين
الغنوشي نفى وجود وساطة للمصالحة تقودها حركة النهضة بين الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي وتنظيم الإخوان المسلمين، مشيرا الى انه يود القيام بدور تصالحي يحقن دماء المصريين ويستحق الإنسان من أجله أن يسافر الى أي مكان في العالم، "ولكن الآن لا تبدو هناك مؤشرات لاستعداد السلطة في مصر للحوار والصلح مع خصومهم، ونحن واعون وندرك أنّ نهج الإقصاء والعنف لا يمكن أن يثمر وحدة وطنية ولا تقدما اقتصاديا ولا تنمية ولا حرية".
وأكد أنه سيبقى في مصر جيش تحتاجه الأمة أن يكون قويا، ومشاركا في السياسة، ولكن ليس منفردا للسلطة، وسيبقى اخوان مسلمون في مصر رغم ما تعرضوا له ورغم ما سلّط عليهم من عنف، ولن تنشق الأرض عنهم، كما سيبقى في مصر أقباط وستبقى القوى الليبرالية، فدون تعايش هذه القوى واعترافهم ببعضهم البعض واغلاق ملف الاقصاء والعنف لن تهدأ مصر ولن تعرف تنمية ولا ازدهارا.
فالاخوان المسلمون برأيه أخذوا السلطة عبر انتخابات ديمقراطية وخرجوا منها بانقلاب مورس عليهم، ولذلك هم مظلمون والوقت ليس للعن المظلوم وانّما للانتصار له، وعندما يستعيد المظلوم حقه ويخرج من السجن يمكن الحديث عن المحاسبة.
العالم العربي يمر بمرحلة انتقال صعبة
كيف يقيم الغنوشي الربيع العربي، ومن يتحمل في رأيه مسؤولية تدمير ليبيا وسوريا؟ سؤال اجاب عنه الغنوشي بالقول إن العالم العربي يعيش اليوم مرحلة انتقال صعبة نظرا لكثافة وضخامة المصالح الدولية في منطقتنا سواء في مصر او سوريا او العراق واليمن، ولذلك "ساذج" من يتوقع أنّ التغيير في هذه المناطق سيتم بين عشية وضحاها وأنّ تكاليف التغيير ستكون بسيطة، كما هو مخطئ وواهم من يتصور بأنّ العودة الى الماضي ممكنة، "فعودة أنظمة الحزب الواحد والزعيم الملهم والاعلام الخشبي أشرقت عليه شمس الثورة والمسألة هي مسألة وقت ومسألة تكاليف، إذ هناك بلد يستطيع ان يحقق انتقاله الديمقراطي في 5 أو 6 سنوات ونأمل أن تكون تونس في هذا الصنف، و بلد يحتاج الى 10 سنوات، وبلد آخر يحتاج الى 20 سنة، وهذا هو تاريخ الثورات فالثورة الفرنسية حضت بحوالي قرن من أجل أن تحقق انتقالها من النظام الملكي المطلق الى النظام الديمقراطي ومرت بحروب طاحنة وقطعت رؤوس، والثورة الأمريكية نفسها مرّت بالحرب الأهلية".
لا مستقبل للتطرف في تونس
ويجزم الغنوشي بأن لا مستقبل للجماعات الدينية المتطرفة في تونس لأنّ المزاج التونسي الديني مزاج هادئ ومعتدل ومتسامح، و اذا كان غياب الحريات يعطي مبرّر لبعض الناس في أن يردوا على الاستبداد بالعنف، فانّ عصر الثورة وعصر الديمقراطية وفي عصر مجالات العمل السياسي والثقافي والديني متاحة سلميا لا يعطي مبرّرا للعنف، حيث أنّ العنف الذي تمارسه هذه الجماعات هو عنف طائش لا عقلاني ولا مستقبل له. "/المستقبل/" انتهى ل . م
|