تونس- سامي السلامي: منذ مباشرة الحكومة التونسية لمهامها يوم ستة اغسطس 2015، واجهت وضعا استثنائيا صعبا جرّاء التّراكمات وتفاقم التهديدات الإرهابية وغياب الاستقرار الأمني. وهو الأمر الذي أثّر سلبا على واقع الاستثمار الأجنبي وعلى إحداث والمشاريع التنموية والاقتصادية الكبرى التي من شأنها أن تساهم في خلق الثروة وتحسين نسبة النمو وخلق مواطن الشغل وتخفيف حدّة الاحتقان الاجتماعي.
في حين تقلص الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس وتراجع بنسبة 42.1 بالمائة حسب آخر دراسة حديثة لمكتب التدقيق المالي البريطاني "أرنست أند يونغ"، وانعكست تأثيراته على نسبة النمو في ظل الضغوطات الكبيرة التي تمارسها المؤسسات المالية العالمية على الحكومة التونسية لإجراء إصلاحات اقتصادية هيكلية.
صحيفة "المستقبل" الكويتية التقت بوزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي ياسين إبراهيم للحديث حول أزمة تراجع الاستثمارات في تونس، ومبادرة المصالحة الاقتصادية مع رجال الأعمال التونسين المورطين في شبهات الفساد المالي والتي أثارت ولاتزال تثير جدلا حادا بين مكونات الطيف السياسي الواسع في تونس.
ابراهيم لـ"المستقبل": اولويتنا تأمين حدودنا
بداية، يصف الوزير التونسي ياسين إبراهيم واقع الاستثمار الأجنبي في ظل الوضع الأمني المتردي الذي تعيشه تونس بالصعب رغم مرور أكثر من 6 أشهر على إشرافه على وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي.
الوزير التونسي يعزو صعوبة هذا الواقع بتأثر الاستثمار الأجنبي في السنوات الأربعة الأخيرة بغياب الاستقرار السياسي، مضيفا "تكمن الخطورة اليوم في عدم الاستقرار الأمني، وهذا ما يجعل تركيز الدولة حاليا منصبا على تأمين أمنها ومجتمعها من ظاهرة الإرهاب كظاهرة دولية وليست فقط ظاهرة في تونس".
وحول اذا ما كان القضاء على الظاهرة الإرهابية وحدها كفيل بإعادة نسق الاستثمار الأجنبي في تونس كما في السابق، يقول ابراهيم ان "ما يمكن تأكيده، أنّنا متأثرين جميعا بظاهرة الإرهاب بصفة خاصة، نظرا لما يحدث في ليبيا وما يعانيه الليبيون بسبب غياب الدولة الليبية والمؤسسات، واستقطاب المنظمات الإرهابية في ليبيا للكثير من الشبان التونسيين، ولذلك فانّ أولويتنا قبل كل شيء هي تأمين حدودنا مع دول الجوار وخاصة ليبيا، وتطوير التعاون الأمني مع الجزائر، من ناحية أولى، خصوصا بعد أن أفرز نتائج ايجابية ملموسة على الحدود التونسية الجزائرية طيلة أكثر من سنة ونصف".
اما الأولوية الثانية بحسب الوزير التونسي فتتمثل مع المجتمع الدولي "باعتبار أنّ مسألة مكافحة الإرهاب ستطرح بصفة شاملة على أنظار الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر القادم، ولذلك يجب أن نتعاون مع الدول العربية والغربية لإيجاد طرق وحلول لمقاومة المنظمات الإرهابية الدولية" .
دعوة الكويت لتوسيع استثماراتها
وفيما يتعلق بطبيعة التعاون مع الكويت في مجال الاستثمار خصوصا بعد أن تصريح ابراهيم في الفترة السابقة أنّه سيتم الأخذ بملاحظات بعض الدول ولا سيما الكويت في بنود مجلة الاستثمار قبل عرضها على أنظار البرلمان التونسي، يؤكد ابراهيم ان "التعاون موجود، وقد زرت مؤخرا دولة الكويت لمزيد دفع وتعزيز التعاون، كما أنّ المجموعة التونسية الكويتية للتنمية الموجودة في تونس تقوم بدور فاعل في مجال الاستثمار، ودعمت مؤخرا استثمارها في المجال التكنولوجي، واشتغلنا مع غرفة تجارة وصناعة الكويت، إضافة إلى وجود تعاون في نطاق التمويل بين الصندوق الكويتي للتنمية وتونس".
واذ يشير ايضا الى تعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي الموجود في الكويت، يرى الوزير التونسي أنّ الكويت بمقدورها أن ترجع للاستثمار في تونس بأكثر مما كان عليه في العشر سنوات الماضية، لوجود إرادة سياسية حقيقة "وما تبقى لنا هو العمل وأن نقدم لهم المشاريع للمساعدة في انجازها في إطار التعاون بين البلدين".
توافق على المصالحة الاقتصادية
وبالإنتقال الى مشروع قانون المصالحة الاقتصادية الذي تعتبره العديد من الأطراف السياسية والحقوقية هادفا للتطبيع مع رجال الأعمال الفاسدين، يوضح الوزير التونسي ان بلاده تخضع لنظام ديمقراطي مشيرا الى ان مبدأ المصالحة تتوافق عليه الأطياف السياسية، مضيفا انه "ما تبقى فقط كنقاش مفتوح هو هل أنّ القانون كما هو كافي وملائم ومقبول أم لا، ناهيك وأنّ رئيس الجمهورية الباجي القائد السبسي بصدد اجراء مشاورات مع الأحزاب السياسية لتبيان أرائهم في المسألة بعدما درسوا بالتدقيق فحوى مشروع القانون، وحين يحال الى مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه، سيناقش وفق المستوى الوطني.
وعن الموقف السياسي للوزير ابراهيم من المشروع خصوصا بعد أن اعتبرته هيئة الحقيقة والكرامة يسعى لضرب منظومة العدالة الانتقالية، يقول ان "المسألة تأخرت كثيرا وأخذت وقتا طويلا، وأنا كسياسي وكرئيس لحزب آفاق تونس، طالبت بانطلاق مسار العدالة الانتقالية تزامنا مع صياغة الدستور، ولكن للأسف الشديد ما حدث في بلادنا من أزمات، والسياسات التي كانت متبعة في السنوات الثلاث الأخيرة من قبل حكومات الترويكا بقيادة حركة النهضة، ساهمت في تعطيل مسار العدالة الانتقالية، بحيث أنّه بعد قرابة الخمس سنوات من عمر الثورة التونسية لم تنطلق إلى اليوم وهذا هو المشكل الأساسي، فضلا عن وجود عديد الأطراف الذين لا يمتون للقضاء ولا للعدالة الانتقالية بصلة، وهذه معضلة كبيرة في مسار العدالة الانتقالية".
إذا، ما الحل لتجاوز هذا الخلاف الشائك بين القوى السياسية الحاكمة وبقية الحساسيات الحزبية؟ يجيب الوزير التونسي بأن مبدأ طرح الوصول إلى مصالحة ضروري في هذه المسألة ، لكن الإشكال هو بأي طريقة، هل عبر مراحل المساءلة والمصارحة وكشف الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر ومن ثمة المصالحة، أو باختصار المراحل و المسافة بطريقة ما أسرع، نظرا لتأخر تفعيل مسار العدالة الانتقالية، وهذا هو مرد الجدل والنقاش المفتوح الذي يجب أن يطرح، وأنا أعتقد أنّ الأمر الايجابي اليوم في تونس هو أنّ جميع المواضيع، الشائكة والتي تشوبها خلافات كثيرة من قبل عديد الأطراف السياسية، دائما ما نجد لها حلا. "/المستقبل/" انتهى ل . م
|