كل منا يفعل ما عليه فعله ، عندما يسقط المطر بغزارة.
الرجل الثري جدا ، يجلس في قصره مطمئنا أمام النار اﻷنيقة الساحرة دفئا وجمالا ..فيزيح الستار عن النافذة ، ويجلس على مقعده الخشبي الهزاز ..متأرجحا سعيدا برؤية البرق الذي يبدو كأشباح مؤنسة أليفة ..ويتناول مشروبه المحبب لديه ..تاركا الرعد يعزف له موسيقى وجوده ..فوق رقصات الشجر أمام زجاجه المتين ..
كل منا يغعل ما يجب فعله عندما يسقط المطر بغزارة..
الرجل الفقير يركض مسرعا ويقفز كقرد فوق سطح بيته المنهك الصغير ، ويبدأ بترميم تلك الفتحات الكثيرة التي تسمح للماء بالتسلل الى اجساد اطفاله العراة بسهولة كما تفعل النار في الحطب المغمس بالزيت ...وسرعان ما ينزل ركضا ليدخل الى الداخل او الى الخارج ، فكيف يعرف هذا من ذاك اذا كان المطر في المكانين واحدا .. ويبدأ بصيانة ما يشبه النوافذ .. وبين اللحظة واﻷخرى ينظر نحو صغاره مبتسما محاولا زرع الطمأنة على وجوههم البائسة اليائسة المتعبة. وما إن ينتهي حتى يشعل لهم في تنكة كبيرة بعض اﻷخشاب ليصنع ما يشبه التدفئة السلحفاتية.
كل منا يفعل ما يجب فعله عندما يسقط المطر بغزارة..
الجندي الجالس على حدود الوطن ليحميه من افكار واطماع المتآمرين.. يضع بندقيته على ظهره ، وبعد ان يقوم بتعزيز دشمته الصغيرة.. يجلس بحذر غير عابئ لما يدور حوله ، محاولا التركيز والفصل بين الرعد وصوت المدفع ان حاول العدو اللعب واستغلال المشهد لصالحه ، وهو يتمتم بلادي بلادي بلادي .. انت روحي وامتدادي
كل منا يفعل ما يجب فعله عندما يسقط المطر بغزارة ..
الفلاح رفيق اﻷرض والشجر والزرع .. يهرول كمحارب تحت القصف الجوي والبري والبحري فيسقط أرضا اكثر من مرة ، فينهض ويتابع ليكمل طريقه من اجل القضية .. وما ان يصل حتى يبدأ بصنع مجرى للمياه ليبعدها الى مكان آخر كي لا تتلف وتجر معها زرعه وحتى اشجاره الصغيرة .....
كل منا يفعل ما يجب فعله عندما يسقط المطر بغزارة..
العاشق يحمل وردته ويسرع ، فلا يصده برق او رعد ولا يغرقه مطر الكون بكامله فيصل الى حبيبته التي تنتظره على الباب ، وما إن تفتح تجده مشتعلا بنيران الحب ..مكللا بروائع المشهد الرومانسي الساحر ..فيقدم لها وردته ..ويسرق منها الف وردة ..ليركض من جديد تحت المطر مؤكدا لها بأنه يحبها على طريقته الخاصة جدا .
كل منا يفعل ما يجب فعله عندما يسقط المطر بغزارة .
المتسول الذي يمد يده.. يسحبها ويضعها فوق رأسه هاربا الى أمكنة لا غيم بها ..فيسخر منه الرصيف والشجر والحجر .
كل منا يفعل ما يجب فعله عندما يسقط المطر بغزارة..
حتى اﻷموات نراهم يرسمون مع اﻷرض تماهيهم .. فيخرج العشب الينا سعيدا ضاحكا باكيا مبهما .ليكتمل ما كان ينقص الصورة .
|