تونس- سامي السلامي: ارتفعت مؤخرا الأسهم السياسة لوزير التربية السابق في حكومة الترويكا الثانية وعضو البرلمان التونسي عن حركة الشعب سالم الأبيض بشكل لافت للانتباه، وذلك بعد أن لاقت تدخلاته ومداخلاته في مجلس نواب الشعب والمحذّرة من مشروع قانون مكافحة الإرهاب جدلا كبيرا وترحابا أكبر لدى شقّ هام من التونسيين المتخوفين من تداعيات هذا القانون على مكاسب الثورة وفي مقدمتها الحقوق والحريات.
وفي مقابلة مع صحيفة "المستقبل" يكشف لنا النائب والسياسي سالم الأبيض المحسوب على التيار القومي الناصري مخاطر قانون مكافحة الإرهاب الذي امتنع على التصويت عليه هو و9 نواب آخرون من جملة 217 نائبا واتهم جميعهم من خصومهم السياسيين بالسعي لتبييض الإرهاب، كما يبرز لنا موقفه من مبادرة المصالحة الاقتصادية مع رجال الأعمال الفاسدين، والغاية الحقيقية من تحالف الغريمين نداء تونس وحركة النهضة الإسلامية، فضلا عن تقديمه لمعطيات هامة يكشفها لأول مرة عن الفترة التي قضاها كوزير في حكومة الترويكا الثانية، ورؤيته للمستجدات الحاصلة في تونس وفي المنطقة.
قانون مكافحة الارهاب
فسالم الابيض يقول انه تحفظ على التصويت على مشروع قانون مكافحة الإرهاب لأنّ القانون لم يقدم للنواب ليطّلعوا عليه ويتمعنوا في فصوله ويبدون وجهة نظرهم فيه قبل الجلسة العامة، فأغلبية النواب باستثناء بعض رؤساء الكتل وأعضاء لجنة التشريع العام لم يتسنى لهم قراءة النص بالوقت الكافي والذي ينص عليه النظام الداخلي بمدة أسبوع، ثم لم يوفروا لنا دقيقة واحدة لتقديم الطعون والمقترحات التي توقفت مباشرة بعد النقاش العام، ونحن في ذلك كنّا ولا زلنا بصدد الاطلاع على القانون وكان من المفترض أن نرجع إلى الخبراء ورجال القانون ولكن لم يتوفر لنا الوقت للقيام بدراسات المقارنة مع منظومة القوانين التي تبنتها الأمم المتحدة، وتجربة قانون مكافحة الارهاب لسنة 2003، وثانيها أنّ هذا القانون يناقش تحت ضغط الإرهاب وفي ظل حالة الطوارئ وكأنّ قالب القانون وضعه الإرهابيون أنفسهم وليس السلطة التشريعية ولا التنفيذية، بما فيه.
القانون لم يعرف الارهاب
وتعليقا على مضامين القانون بعد المصادقة عليه بأغلبية مطلقة من النواب لفت الى أن القانون لم يضع تعريفا للإرهاب، "فلو وضع القانون ديباجة واضحة منذ البداية وقال إن الإرهاب هو كل عنف تقوم به تنظيمات دينية متطرّفة أو تنظيمات تنتمي إلى داعش أو حتى تنظيمات سياسية أخرى تكره الدولة بشيء أو بآخر لكنه لم يضع، بما يجعل أنّ النص عرّف الجريمة الإرهابية ولم يعرّف الإرهاب ولم يحدّد من هو الإرهابي وهذا المجال الواسع الذي تركه يمكن أن يدخل فيه أي شخص أو حزب سياسي أو جمعية يمكن أن تحتج على الدولة بطرق اجتماعية كالاعتصامات والاحتجاجات والاضرابات وغيرها، وأي شكل من أشكال الإكراه السياسي يمكن أن يؤدي إلى محاكمة صاحبه طبق قانون الإرهاب ناهيك أنّ قانون الإرهاب لم يحدّد الفرق بين الإرهاب والمقاومة ونحن في مجتمع عربي بصفة عامة فيه مقاومة فلسطينية وعراقية ومقاومة الاحتلال ضدّ الناتو وغيرها، وكل أشكال المقاومة يمكن أن تدخل في صنف الإرهاب ويمكن لأي تعاطف مع حركة أو تنظيم فلسطيني مقاوم للصهيونية بشكل أو بآخر يمكن أن يسجل في خانة الإرهاب باعتبار أنّ كثير من التنظيمات المقاومة مصنفة من الإدارة الأمريكية ومن الدول الغربية في دائرة الإرهاب بما في ذلك حزب الله وحركة حماس، وهذا يجعل أي تعاطف مع قوى المقاومة يدخل في نطاق الإرهاب.
الدولة البوليسية
وعما اذا كان القانون يعيد تكريس الدولة البوليسية، لفت الى وجود صراع حقيقي بين الدولة الديمقراطية الناشئة التي تريد فرض نفسها، وبين منظومات قديمة تريد أن تتسرّب وتقضي على المكسب الديمقراطي الذي تحقّق في تونس ويشكل استثاءا، ولا ندري كيف تلتقي هذه المصالح وبأن تشتغل المنظومات الإرهابية التكفيرية لصالح عودة نظام استبدادي بشكل أو بآخر فهل هذا من محض الصدفة؟ وهذه المسألة لا بدّ من تحليلها والتعمق فيها.
حملة "وينو البترول"
وفي ما خص حملة وينو البترول المنادية بالتحقيق في ملف الثروات الطبيعية التي أثيرت بقوة شدد سالم الابيض على ان اغلبية المنخرطين في هذه الحملة ليس لهم خلفيات سياسية وربما لا يعرفون من سوّق لها، وأغلب من انخرط في هذه الحملة على مستوى الشارع وعلى المستوى الشعبي والافتراضي هم جماهير تحرّكوا بصفة عفوية يعتقدون أنّ هذا الملف فيه التباس ولا بدّ من الشفافية ولا بدّ من توضيحه، والواقع أنّ الطريقة التي أغلق بها ملف الحملة هي طريقة غير مقنعة لأغلب هؤلاء الذين انخرطوا فيها وكأنّهم خضعوا لنوع من الترهيب خاصة بعد عملية سوسة الارهابية وانسحبوا دون أن يقتنعوا أنّ الدولة قد أعطتهم من المعطيات والشواهد ومن الأدلة ما يقنعهم بأن البترول غير موجود في تونس الاّ في حدود الكميات التي تعلنها وزارة الصناعة.
رفض للمصالحة مع رجال الاعمال
وبالنسبة الى مبادرة المصالحة مع رجال الأعمال الفاسدين والتي طرحها منذ أيام رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، أعرب سالم الابيض عن اعتقاده أنّ هذه المبادرة غير مفيدة لتونس وغير ناجعة وهي تشكك من مصداقية الدولة التونسية في مستوى مقاومتها للفساد وفي مستوى انتهاج الشفافية، "ونحن نعرف أنّ الفساد يأكل ما بين 1 و2 بالمائة من نسب النمو في تونس، وهذه المبادرة قد تحل الإشكال بالنسبة لبعض رجال الأعمال الذين لديهم شبهات واستولوا على مال الدولة، لكنها ستقدّم رسائل سلبية لكل المستثمرين الأجانب وللدول التي تعتمد الشفافية والتي تريد أن تستثمر في تونس، حيث ستقول أنّ الدولة تبيّض في رجال أعمال كان من المفترض أنّ لديهم ملفات فساد وأنّ القضاء هو الذي يحسم في شأنهم".
ملفات واجهته كوزير للتربية
وردا على سؤال حول الفترة التي شغل فيها منصب وزير التربية في حكومة الترويكا الثانية، وعن ابرز الملفات التي واجهته قال سالم الابيض انه في ذلك الوقت "جئت للوزارة لفترة وجيزة حدّدت نظريا بالاتفاق مع رئيس الحكومة علي العريض لمدة 9 أشهر بين منتصف شهر مارس و نهاية شهر ديسمبر 2013،وكان هناك إشكال رئيسي في ذلك الوقت هو الخوف من إعادة تسرّب امتحانات الباكالوريا وقد اشتغلنا شغل كبير جدّا ونجحنا في أن وضعنا حد لذلك التسرّب الذي وقع في 2012 ولم يتكرّر بعد ذلك الى اليوم وهو مسألة مهمة، وكان هناك ملف النقابات الذي هو ملف هام وفي هذا الملف وقعنا 9 اتفاقيات مع النقابات وهذه الاتفاقيات وقع تنفيذها بنسبة تتجاوز 90 بالمائة الى حدود خروجي من الوزارة، وكان هناك أيضا أشياء مهمة تتعلق بتأمين نهاية وعودة السنة الدراسية في ظرف 7 أشهر وقد تمّ كل ذلك، ثمّ كانت هناك مهمة رئيسية هي مقاومة الفساد في الفضاء التربوي وإعادة الاعتبار للمنظومة التربوية وأقول أنّنا قد وفقنا في ذلك بدرجة كبيرة وقد دفعنا بعديد الملفات إلى القضاء ونشّطنا التفقدية العامة الإدارية والمالية والتفقدية العامة البيداغوجية ودفعنا بملفات إلى هيئة الرقابة العامة، وأنا والفريق العامل معي في الوزارة اعتقدنا أنّ الإصلاح التربوي لا يكون إلا في ظل حكومة قارة ولذلك لم ندخل في إصلاحات وتركناها كمسألة مجتمعية لما بعد الانتخابات.
الاستقالة واغتيال البراهمي
أما الدوافع الحقيقية لإعلان استقالته من الحكومة وترك الوزارة فهي كما يقول استقالة سياسية على خلفية اغتيال الشهيد محمد البراهمي في 25 جويلية 2013 والذي كانت تجمعنا به أواصر إيديولوجية وفكرية وانتماءات سياسية وارتباطات أخلاقية وإنسانية ونضالية، وهذه الاستقالة رفض رئيس الحكومة نشرها في الرائد الرسمي وبالتالي أنا تمسكت بها من الناحية السياسية ولم أباشر أي عمل سياسي باسم الوزارة ولا باسم الحكومة، واداريا أمنت المرفق الى حين انتهاء وظيفة الحكومة في ذلك الوقت.
تعاطي خاطئ بالملف الليبي
وبخصوص تعاطي الدبلوماسية التونسية مع الملف الليبي، قال سالم الابيض ان تونس تعاملت مع الملف ايديولوجيا وليس سياسيا "وألاحظ أنّ وزير الخارجية الطيب البكوش تحكمه خلفيات ايديولوجية، وألاحظ أنّ رئيس الدولة الباجي قائد السبسي لا يقدّم خطاب دبلوماسي وفي بعض الأحيان يقدّم خطاب حاد ويقرّ بأنّه لا يوجد في لييبا مقومات الدولة وهذا لا يقال من الناحية الديبلوماسية، كما لا يجب أن يقال أنّنا نتعامل مع ميليشيات، فالدبلوماسي الحقيقي والسياسة الخارجية الحقيقية تذهب الى البحث عن نقاط التواصل مع مختلف مكونات الساحة السياسية الليبية وتشجيعهم على العودة الى حكومة موحدة وتشجيعهم على وحدة الدولة الليبية خاصة وأنّه لدينا في تونس مصالح اقتصادية مهمة جدّا مع ليبيا كما أنّه لدينا عدد كبير من التونسيين يعملون في ليبيا، فالمفترض ألاّ ندخل في صراعاتهم ولسنا معنيين بصراعاتهم الاّ في حدود ما يتعلّق بتهديدات أمننا وسيادة التراب التونسي".
تحالف متناقض
وعن تحالف الغريمين نداء تونس وحركة النهضة، علق سالم الابيض بالقول ان "هذا التحالف متناقض مع الوعود الانتخابية التي قدّمها كلا الطرفين، لأنّ كل طرف هو نقيض للآخر وله مشروع أساسي مختلف عن الآخر، كما أنّ هذا التحالف ضرب إمكانية وجود كتلة معارضة قوية تحدث التوازن، وهذا التحالف جاء على حساب الشرائح الشعبية التي انخدعت بشعارات كلا الحزبين وصوتت لهما، وهذا التحالف يضعف كل إمكانية بناء الديمقراطية المتوازنة التي تقوم على الصراع السلمي بين أطراف المجتمع السياسي والأحزاب السياسية، وهذا التحالف يؤسس بوعي من الحزبين أو بدون وعي للدكتاتورية من جديد"