على دوي الانفجارات، والصواريخ يولد ملايين الاطفال العرب. وعلى اصوات المدافع وقصف الطائرات يرتل هؤلاء الاطفال اغانيهم الطفولية. لا يحلمون كسائر الاطفال بمنزل يأويهم، ودمية تغفو بين اياديهم الصغيرة، بل صار جُل احلامهم خيمة تحميهم من برد قارس، ويد أب ترد عنهم قساوة الأيام. في فلسطين وسوريا والعراق والصومال وليبيا وحتى في لبنان، والسودان قصص لملايين الاطفال المشردة، لأطفال يتمتهم الحروب، وشردتهم، وشردت ذكرياتهم وأماتت امانيهم واحلامهم. هؤلاء الأطفال لم تعد تُرعبهم اصوات الطائرات التي تحمل اطنانا من المتفجرات التي قتلت اقرانهم واجبرتهم على الرحيل بعمر الورود، ولم تعد ترعبهم سكين داعش والتنظيمات الارهابية، بعد ان شبّوا على واقع حسبوا انهم يتقاسمونه مع كل اطفال العالم.
أطفال غزة
ربما نال اطفال غزة النصيب الاكبر من مآسي الاطفال. عقود من الزمن لم تستطع ان تُنصف هؤلاء من الاعتداءات الاسرائيلية، حتى شب الملايين منهم، وشاخ وربما رحل من دون ان يتمتع بحياة كريمة. مأساة مستمرة مع هذا الجيل، جيل الانتفاضة الثالثة، وربما تستمر مع الانتفاضة الرابعة والخامسة… وحتى العاشرة. فلطالما دفعت المقاومة ثمن خيارها بدماء الاطفال الذين مزقتهم الهمجية الاسرائيلية، ليس اخرها عند استشهد 4 اطفال على شاطئ غزة في الصيف الماضي. ومن ينجو من هؤلاء لا يسعه الا ان يتساءل “لماذا لا يمكننا اللعب في فصل الصيف كباقي الأطفال على الشواطئ الا والخوف من النيران الاسرائيلية تُصاحبنا ؟ ولماذا لا يمكننا الذهاب شتاء الى مدارسنا مطمئنين غير خائفين من غارة اسرائيلية او عدوان جديد يقتل زملائنا وآبائنا واصحابنا وجيراننا؟ وتطول اسئلتهم.. ولا من مجيب.
فيلم وثائقي عن اطفال غزة
ودفع العدوان الاسرائيلي على غزة في صيف 2014 مخرج أرجنتيني برفقة صحفي إسباني إلى انتاج فيلم وثائقي عن اطفال القطاع لنقل مأساة الحرب عبر عيون الأطفال هناك. وحمل الفيلم عنوان “مولود في غزة”. توالت الشهادات في هذا الفيلم، عما تركت آلة الحرب الاسرائيلية في نفوس آلاف الاطفال الفلسطينيين وقادت الشهادات فريق عمل هذا الفيلم الوثائقي إلى قناعات مزعجة لمن يريد المساواة بين الضحية والجلاد.
ويقول الصحفي الإسباني جون سيستياغا إن هذا الفيلم يظهر غباء الساسة الذين قرروا استخدام كل ترسانتهم العسكرية لقتل 507 أطفال رغم أنهم كانوا يعلمون أن 70% من سكان غزة من القاصرين. ويذكّر الفيلم الوثائقي “مولود في غزة” الغافلين بأن المأساة لم تنته بعد.
محاولة متواضعة من ناشطين غربيين لنقل فظاعة الحرب وتأثيرها النفسي على اطفال فلسطين، لكنها لم تستطع ان تحد من تلك الفظاعات قيد أنملة، اذ ان الاعتداءات والارهاب الاسرائيل بحق فلسطين مستمرة.
المأساة تتكرر.. في سوريا
وضع الاطفال لا يختلف كثيرا. قصف، قتل، تهجير، وارض شتات. لكن ما يؤلم اكثر هناك ان القاتل والقتيل هم ابناء ارض واحدة تقاسموا ايامهم سويا بحلوها ومرها، فإذا بهم اليوم ينقسمون على انفسهم، ويقتتلون باسم الحرية وباسم “الممانعة” وباسم الدين، ووحدهم الاطفال يدفعون الثمن الاغلى، يدفعونه من استقرارهم النفسي، ومن مستقبلهم، من أمانهم وحتى من حياتهم. ومن لم يقتله الرصاص هناك في سوريا، قتله البرد، بعد ان قضى مئات الاطفال السوريين من اللاجئين والمقيمين نتيجة البرد فعجز العالم ومعهم العرب عن تأمين تدفئة تقيهم برد الشتاء القارس. المشهد يتكرر في الصومال والعراق وليبيا والسودان وحتى في احيان كثيرة يتكرر في لبنان.
ما يجمع هؤلاء الاطفال هي المأساة وغياب الضمير العالمي عن معالجة مأساتهم، والاقتصاص ممن أبكاهم ويتمهم وحرق بيوتهم وذكرياتهم.
ماذا يقول علم النفس عن اطفال الحروب؟
يصنف علماء النفس الصدمة النفسية التي تتركها الحروب لدى الأطفال في باب الآثار المدمرة. ويقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني دور في تأمين الوسائل المناسبة لاحتواء ردة فعل الصدمات على الأطفال. وواجب الجهات المعنية والمختصين النفسيين هو توعية الأطفال والاهتمام بتوازنهم النفسي حتى يستطيعوا استيعاب واقع الحروب وعدم آدميتها كواقع وليس كشيء مفروض.
ويؤكد المختصين أن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر بشكل ملموس لاحقاً في جيل كامل من الأطفال سيكبر من ينجو منهم وهو يعاني من مشاكل نفسية قد تتراوح خطورتها بقدر استيعاب ووعي الأهل لكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرت به. أما دور الأهل في تخفيف آثار الصدمة النفسية وكيفية التعامل مع الأطفال في زمن الحروب فتفوق أهميته دور العلاج الطبي من هذه الآثار فيما بعد، وتعمل فيما تعمل كوقاية. وتكون الوقاية ببث الاطمئنان في نفوسهم وعدم ترويعهم ولا يتركونهم يتعرضون لهذه المشاهد المؤلمة ولا يواجهون أياً من هذه الآثار وحدهم، حتى لا يتفاقم أثرها السلبي داخل نفوسهم على المدى القريب والبعيد. ومن أهم الحالات التي يتعرض لها الأطفال خلال الحروب: سوء التغذية في المناطق الفقيرة، المرض، التشرد، اليتم والفواجع، المشاهد العنيفة، الإرغام على ارتكاب أعمال عنف، الاضطراب في التربية والتعليم. كما يمكن ان تُصاحب اطفال الحروب الفوبيا المزمنة من الأحداث أو الأشخاص أو الأشياء التي ترافق وجودها مع وقوع الحدث مثل الجنود، صفارات الإنذار، الأصوات المرتفعة، الطائرات. وفي بعض الأحيان يعبر الطفل عن خوفه بالبكاء أو العنف أو الغضب والصراخ أو الانزواء في حالة من الاكتئاب الشديد. ويقول الطب النفسي انه ايضا الى جانب الأعراض المرضية مثل الصداع، المغص، صعوبة في التنفس، التقيؤ، التبول اللاإرادي، انعدام الشهية للطعام، قلة النوم، الكوابيس، آلام وهمية في حال مشاهدته لأشخاص يتألمون أو يتعرضون للتعذيب،وفي حال مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة لأشخاص مقربين منه أو جثث مشوهة أو حالة عجز لدى مصادر القوة بالنسبة له مثل الأب و الأم يصاب عندها بصدمة عصبية قد تؤثر على قدراته العقلية. كما ان هذه المشاعر التي يختزنها الطفل غالبا ما تظهر أثناء اللعب أو الرسم فنلاحظ أنه يرسم مشاهد من الحرب كأشخاص يتقاتلون أو يتعرضون للموت والإصابات وأدوات عنيفة أو طائرات مقاتلة وقنابل ومنازل تحترق أو مخيمات ويميلون إلى اللعب بالمسدسات واقتناء السيارات والطائرات الحربية.