شبكة عنكبويتة، دخلت كل منزل وطاولت كل مكتب ورافقت كل رجل وكل امرأة وكل حدث...
في الشارع تراهم منكبين على ملامسة الهاتف، يتصادمون معاً ويمر الأمر بدون اعتذار.. الجميع في شغل شاغل، لا وقت لديه ليضيعه بعيداً عن الهاتف المحمول أو عن جهازه "اللابتوب" في المكتب والمنزل، العائلة بأسرها منشغلة بالتواصل الدائب والمستمر، ولكن كلّ واحد في شأنه الخاص..
في المنزل الكلمات المتدوالة في الحوار بين افراد العائلة، معدودة والافكار المتداولة لا تكاد تذكر.. وهكذا تضعف الروابط الأسرية، وتتراجع هنيهات التفاهيم..
هل ما نعاني منه مرض اجتماعي، أصبح يشكل خطراً اجتماعياً رهيباً يطال الأسرة، وبالتالي يكرس انعزالية الافراد، ويعمل على تأزيم الأوضاع بين المواطنين وإثارة انفعالاتهم، ويؤدي الى تراجع الانتاجية في العمل وبالتالي المساهمة في التسبب في تراجع الاقتصاد..
أم أن هناك وجهاً آخر للعملية بحيث تتيح شبكات التواصل أمام المواطنين سبل الوصول الى المعرفة والاستزادة من فرص الوصول الى امهات الكتب والى المراجع والمصادر المعلقة بالدراسة والتعلم.. وتمكننا هذه الشبكات من تفعيل دور الاعلام واالاطلاع، بحيث أنك وبكبسة زر تعرف ما يحصل في أقاصي الارض وفي اعالي البحار..
هكذا يبدو الأمر ؛ فالمسألة وجهان: وجه ايجابي واخر سلبي ولكننا نلحظ أن الوجه السلبي يمكن أن يكون طاغياً بحيث أنك ترى وتسمع كل يوم عن دمار اسرة وعن التفريق بين الزوجين، أو على الاقل اثارة النزاع المتواصل، والمشاكل الخطيرة.. فضلا عن استخدامها لنشر التطرف وغسل الدماغ..
ورغم كل ذلك لا يمكن الرجوع الى الوراء، فالشبكات العنكوبتية صارت جزءاً هاماً من حياة المواطنين، والتعامل معها صار أقرب الى الادمان منه الى أي شيء آخر..
لذلك «المستقبل» تطرقت الى اثر مواقع التواصل الاجتماعي على الفرد واستطلعت أراء المعنيين والتفاصيل ادناه:
حسين الجازع عبدالله جاسم وأحمد الحافظ :مواقع التواصل الاجتماعي، «صفحات الكترونية» استطاعت ان تقلب معاييرا كثيرة كانت حتى وقت قريب من المحرمات في مجتمعاتنا. ففي عام 2014 خلصت دراسة حديثة أصدرتها وزارة العدل الى ارتفاع نسبة الطلاق في الكويت مقارنة بمعدلات الزواج السنوية، ودقت الدراسة ناقوس الخطر من ناحية التفكك من جهة، وسلبيات عدم الاستقرار الأسري في المجتمع من جهة أخرى لكن اللافت في الدراسة كان ما اظهرته من أن انتشار وسائل التواصل التكنولوجي في الفترة الأخيرة، ومن أبرزها تلك الوسائل المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي ساهم كثيراً في المشاكل الزوجية، ناهيك عن التسبب في الطلاق.
مساوئ المواقع لا تقتصر على هذا الجانب اذ ان الكثير من الاحصائيات ذكرت ايضا ان نسب كبيرة من المستخدمين الخليجيين تفوق الـ50% يتوجهون نحو الحسابات المبتذلة التي ينتقدها المواطنون الخليجيون في العلن.
لكن هذه المواقع فرضت نفسها بقوة في الشارع الكويتي كاهم اداة ايجابية لتوحيد الشعب حول اي قضية تهمه، عندما اثبتت جدواها في انجاح نشاط «خلوها تخيس» الذي فرض واقع تخفيض اسعار السمك.
إلا أن المشرع الكويتي تنبّه الى غياب قوانين تحاسب على الاستخدام السلبي لمواقع التواصل الاجتماعية وغيرها من العالم الالكتروني فكان ان سن قانون الجرائم الالكترونيه في يونيو الماضي وأحاله الى الحكومة. وتحدثت حينها مذكرة القانون، انه أُعد لكون النصوص الجزائية التقليدية لا تسعف جهات الاختصاص في مواجهة الجرائم المستحدثة التي تعتمد في ارتكابها على وسائل التقنية المتطورة.
«المستقبل» طرحت هذه القضية على عدد من المعنيين من قانونيين واجتماعيين واساتذة جامعيين لتسليط الضوء على الظاهرة من جميع جوانبها.
د. خلود الرشيدي استاذ مساعد بقسم الديكور المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية تحدثت لـ»المستقبل» عن فوائد وسائل التواصل الاجتماعي موضحة بأن هذه الوسائل سهّلت التواصل بين المعلم وطلبته، وأتاحت الفرصة كبيرة للأستاذ لتوصيل المعلومة بشكل أكبر للطلبة.
حتى ان الدكتورة الرشيدي ادخلت استخدام احدى وسائل التواصل الاجتماعي»واتس أب»، في علاقتها التعليمية مع الطلبة بحيث يتم التنسيق معهم بموعد المحاضرات والاختبارات المستجدة أولا بأول، وكذلك تبادل المعلومات، مما يوفر الكثير من الوقت والجهد.
الرشيدي تطالب عبر «المستبقل» بمعاقبة العابثين بالأمن
لكن الرشيدي اعترفت ان بعض الناس يسيئون استخدام هذه الوسائل مبينة بأن هناك من يستخدمها لشق صف الوحدة الوطنية، والنسيج الاجتماعي للمجتمع الكويتي بمغالطات لا أساس لها من الصحة، مطالبة الجهات الأمنية بالضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الإضرار بالمجتمع الكويتي المتآلف المتاحب، وفي ظل قانون يعاقب بصرامة كل من تسول له نفسه الاضرار بالمجتمع أو احدى فئاته، موضحة أن التقنية الحديثة سهلت كثيرا من اصطياد مثل هؤلاء من قبل المختصين في وزارة الداخلية، وذلك حتى يمنعوا من بث سمومهم وترهاتهم، ولكي يكونوا عبرة لمن يعتبر.
النساء من أكثر الفئات استخداما لوسائل التواصل!
الرشيدي أكدت لـ «المستقبل» بأن النساء من أكثر فئات المجتمع استخداما وتعاملا مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت ان «الاهتمام النسائي كبير بلا أدنى شك، فهن يستخدمنه للتسوق أحيانا وللتسويق أحيانا أخرى من خلال عرض ما يقمن به سواء من مشغولات يدوية أو «طبخات» أو غيره من الأنشطة التي تحظى برواج في المجتمع».
نماذج تحتذى وأخرى تستحق الإهمال
د. خلود الرشيدي استشهدت ببعض الأمثلة المتميزة في وسائل التواصل الاجتماعي وضربت مثلا بالدكتور بشير الرشيدي و د. جاسم المطوع اللذين يقدمان رسائل ونصائح ذات قيمة تربوية عالية، سواء بكيفية الاستفادة من أوقات الفراغ أو شغلها بما يعود بالفائدة على المتلقي، ولفتت الرشيدي إلى بعض الحسابات غير المفيدة ومنها من تسخر جهدها للسخرية من الأشخاص والعائلات أو القبائل، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا.
وأهابت بضرورة الأخذ بيد صغار السن وخاصة الأطفال دون العاشرة منهم، وضرورة متابعتهم خوفا من ولوجهم لمواقع تؤثر سلبا على سلوكياتهم، وقد تنمي العنف أو سلوكيات أخرى سيئة.
قوانين لاستقرار المجتمع
بدوره اكد المحلل الأكاديمي الدكتور فهد المكراد لـ»المستقبل» ان فرض قوانين تنظم قانون الاعلام الالكتروني ووسائل التواصل الاحتماعي سيساهم باستقرار المجتمع الكويتي بشكلاً عام، مشيرا الى ان وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الالكتروني هي نعمه ونغمه بنفس الوقت وساهمت بالكثير من المشاكل بين المجتمعات العربيه والغربية لكن ايجابيتها كما يقول هي انها جعلت العالم كغرفة صغيرة، فمن يستخدم ادوات التواصل الاجتماعي يستطيع ان يعرف ما يريد ووقتما يريد».
ولفت المكراد الى ان وضع قانون يحيّد الاعلام الالكتروني سيساهم بشكل كبير في إرساء التهدئة وإزالة القلق بين مستخدميه خاصة وانه تم وضع عقوبات رادعة تردع من يسبب هذا القلق وغيرها من الجوانب الأخيره كالشتم ونشر الفضائح.
وعبّر المكراد عن تأييده لفرض عقوبات رادعه لقوانين الاعلام الالكتروني التي سمحت لبعض منتحلي الشخصيات والنكات الوهميه بالتسبب بمشاكل اجتماعيه حتى وصلت بأحد المواطنين الى تطليق زوجته بسبب إدمانه لمواد التواصل الاحتماعي.
صورة الطفل السوري الغريق
ومن محاسن وسائل التواصل الاجتماعي كما يقول المكراد أنها اسهمت في نشر صورة الطفل السوري المتوفي غرقا علي شواطئ تركيا الامر الذي حرك مجتمعات أوروبية وجعلتهم يخرجون في مظاهرات تأييد لاستضافه اللاجئين السوريين هذا بالإضافه الي تحرك الحكومات في العالم.
أما المشاكل الثقافية والدينية التي يمكن ان تقوم بها مثل هذه المواقع هي قيام بعض المجهولين بالسب والقذف وينشغل بعضهم عن اداء الفرائض الدينية وتكوين صداقات بين الجنسين. كما تتسبب هذه المواقع كما يقول، بمشاكل داخل محيط الأسرة، وتؤدي الى تدني مستوى التعليم وعدم استثمار أوقات الفراغ بالاضافة الى هدره الكثير من المبالغ المالية مع الأضرار الصحية التي تنجم عن سوء استخدام هذه المواد.
نشر الوعي بين الشباب ضرورة
د. المكراد طالب بضروره نشر الوعي عند الشباب وغيرهم بضروره الاستفاده من وشايل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي وتنمية العقل بالانتماء للدين والوطن حتي يقوي مناعته ولا يكون عرضه لأي تجرد من انتمائه وافكاره وعقيدته التي يرجع دورها بشكل كامل وواضح علي الأسره وتربيتها
المحامية المؤمن لـ «المستقبل»: مواقع التواصل لم تكن تخضع لتشريع
من جانبها اشارت المحامية مريم المؤمن الى انه دائما ما تلتصق بعض السلبيات باي نوع من انواع التطور، «فعند الحديث عن برامج التواصل الاجتماعي ومخالفة القانون يمكن القول ان الامر في بدايته لا يخضع لتشريع خاص حيث كانت الجرائم التي تصدر من برامج التواصل اما اساءه استعمال هاتف او سب وقذف وتشهير او تحريض على الفسق والفجور او نصب واحتيال، ولكن بعد كم الجرائم التي انتشرت بالاونه الاخيره بسبب مواقع التواصل اضطر المشرع مشكورا الى ان يسن قانون الجرائم الالكترونيه».
لم تقف سلبيات وسائل التواصل الالكترونية بالنسبة للمحامية المؤمن عند هذا الحد المقتصر على مخالفة القانون بل طالت ايضا الحياه الاجتماعيه، حيث تقول ان صداقات اهتزت بسبب عدم تبادل المتابعه ( فلو - ان فلو ) او بسبب عدم القيام بالواجبات الاجتماعيه من حضور اعراس او مجالس عزاء دون عذر، فاصبحت حياتنا مكشوفه للاخرين، البعض وقع في فخ هذه الحياه الالكترونيه.
نصب واحتيال
مكتب المحامية المؤمن كما تقول شهد الكثير من قضايا الطلاق سبهها برامج التواصل الاجتماعي فاما يكون الزوج لديه حسابات وهميه حتى يعيش دور هارون رشيد زمانه او تكون الزوجه مريضه بالشك وتضيق الخناق على الزوج وتمنع عليه وضع (لايك) لاي صوره موجوده بصفحه امرأه، او ترى ذلك الرجل الوسيم الذي ينصب على الفتيات ويسلبهن اموالهن تحت كذبه الزواج، او امرأة تنتحل شخصية (شيخة) وتنصب على الرجال باموالهم.
تطور المجتمع يتطلب تطور القوانين
المحامية المؤمن تؤكد ضرورة مواكبة القانون لاي تطور على المجتمع وتقول انه «فعلى الرغم من ان الكويت دوله تواكب العصر دائما من هذه الناحيه، او قد تكون الكويت هي الاكثر استخداما لهذه البرامج ، الا انه يوجد فئه سواء من داخل الكويت او خارجها يجهلون طريقه استخدام هذه البرامج اما لعدم ثقافتهم او لصغر سنهم».
كما تشير الى ضرورة تقليص حرية استخدام هذه البرامج حتى ينتشر الوعي، وهذا التقليص كما تقول رأى النور باصدار قانون الجرائم الالكترونية.
يتحدث محاضر التنمية البشرية الاستاذ مبارك العبدالله لـ»المستقبل» فيقول ان كل انسان بطبيعته قابل ان يميل الى الخير بقدر قابليته الى الشر وبالتالي هناك من يميل الى السلبية والايجابية، مشيرا الى ان الامر نفسه ينطبق على مواقع التواصل الاجتماعي واثرها على المجتمع. فالعبدالله يقول ان الايجابيات اكثر من السلبيات بكثير في وسائل التواصل «الا ان المستخدمين في محيطنا الاجتماعي برزوا في الجانب السلبي في غالب الاحيان للاسف وليس في الجانب الايجاب.
العبدالله شدد على ضرورة ما توفره هذه المواقع من سرعة نقل المعلومة ومواكبة الثروة التكنولوجية السريعة، ومتابعة الاحداث حول العالم، الا ان سهولة ارسال اخبار كاذبة واشاعات قد تؤدي الى زعزعة الامن واهتزاز الثقة لدى الناس ، وهو ما جعلنا نخاف من مواقع التواصل الاجتماعي.
العبدالله لـ»المستقبل»: نستخدم الحسابات المبتذلة
وتحدث العبدالله عن الجانب الثقافي لدى المستخدمين لهذه المواقع ، حيث يقول بان بعض المغردين في «تويتر» واصحاب الحسابات في الانستغرام و الفيس بوك يبذلون جهودا كبيره في سبيل ايصال ثقافة مفيدة للمتابعين ، ومن ناحية اخرى فان الكثير من الكتب والمؤلفات باتت في متناول الجميع وبكبسة زر واحدة حسب قوله.
وفيما يتعلق بالسلبيات المنتشرة في الوقت الراهن ، يقول العبدالله ان هذه المساوئ نحن من صنعناها ورعاها ، ونحن من سقاها منذ ان كانت بذره ، وتطورت لتصبح آفة ، لاننا سلبيون من الداخل ، ونبحث عن ما يسبب القلق و التذمر ، فلو نظرنا الى اليابان نجد ان نسبة المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي في المجال الاقتصادي تصل الى 40% ، بينما اكدت الاحصائيات اننا في دول الخليج نفوق هذه النسبة في مجال الحسابات المبتذلة ، لافتا بانه لو كان المجتمع الخليجي واعي ولا يدعي الوعي ، لما امضينا اوقاتنا طويلة في متابعه هذه الحسابات المشبوهه والغير مفيدة.
وكشف ان «الخليجيين الذين ينتقدون المتشبهين بالنساء في مواقع التواصل على سبيل المثال، نراهم في الوقت نفسه يتهافتون على متابعة الحسابات المبتذلة حيث تتجاوز المليون المتابع مشيرا الى ان هذه المتابعة تدفع القائمين على هذه المواقع الى الاستمرار في خطأهم ظنا منهم انهم على صواب حين رأوا كثافة متابعتنا لهم.
العبدالله طالب اصحاب هذه الحسابات ومن يتابعهم بان يكفوا عن الضحك على انفسهم واقناع انفسهم باسباب واهيه، «وحتى نكون واقعيين يجب ان نقول ان الايجابية موجودة بمواقع التواصل اذا تخلصنا من السلبية في انفسنا، ومن يرى جميلا فليعلم ان بداخله جميل».
الجرائم الالكترونية
تشهد المحاكم الكويتية الكثير من القضايا الاخلاقية الناجمة عن الجرائم الالكترونية، كما ان مواقع التواصل الاجتماعي تسببت بطلاق حالات عديدة عندما يكتشف احد الزوجين ان شريك الحياة يقوم بمتابعة حسابات خادشة للحياء. وانطلاقا من هذه المواقف حذر العبدالله من هذه الجرائم معترفا ان هذه الاخطاء موجودة اصلا بالمجتمع لكن مواقع التواصل الاجتماعي قامت باظهارها للعلن واصبحت عيوب المخطئين مكشوفه للملأ دون ساتر.
|