بين المقترح والحل ضعنا وأضعنا الحقيقة، البلدية متهمة بأنها تغض النظر عن بعض التجاوزات .. والبلدية تدافع عن نفسها بقولها أن التعديات ليست بحجم السنوات الماضية..
المسألة حسب ما يقول المنطق أن ليس العدد هو المهم بقدر ما أن المخالفات ولو كان جمعها "مفردا" باللغة الحسابية هي أمر مستهجن.. ويضعنا أمام تساؤلات عديدة ويمكن تلخيصها: هل مشاريع قوانين ازالة التعديات ولدت ميته وتم اعادة الحياة لها بالصدفة ..؟ أم هناك قصور تشريع يجب التنبه له من اجل ان يتم تدعيمه ليكون كفيلاً بردع المتعدين.. هذه الاسئلة وغيرها من اسئلة ستكون في الجزء الثاني من التحقيق .. واليكم تفاصيل الجزء الاول:
الكويت - كتب عبدالله جاسم : من جديد أطلت ظاهرة التعدي على أملاك الدولة بعد ان طفت على السطح في سنوات 2008- 2011. في تلك السنوات لم يكد يخلو بيت كويتي من تجاوزات البناء على المساحات التي تطل عليها بيوتهم، مشوهين المنظر العام بغرف الكيربي ووضع الديوانيات خارج المنزل وسكن العزاب، واقامة محلات ناهيك عن تجاوزات الشاليهات البحرية والمصانع واغلاق ممرات الطوارى والامان في المناطق السكنية .
ورغم ان ازمة اليوم لم تصل بعد الى تلك الدرجة التي وصلت اليها في السنوات السابقة لكنها بدأت اليوم تدق ناقوس الخطر، وتثير مخاوف من تكرار المشهد رغم تنبه البلدية الى ذلك وقيامها بملاحقة المخالفين ولكن البعض يتهم البلدية بغض النظر عن بعض التجاوزات انطلاقا من مبدأ المحسوبيات.
"المستقبل" تسلط الضوء على هذه الظاهرة الايلة الى التطور، للوقوف على اسبابها، وسبل معالجتها وكيفية التعاطي القانوني مع المخالفين.
مشهد مزري
بين عامي 2008 و2011 يمكن وصف المشهد العام بالمزري جدا. لم يراع المخالفون حينها المنظر العام للبلد ولم يكترثوا بحقوق الجيران ولم يتحملوا المسؤولية تجاه مناطق الخدمات من كهرباء وماء وصرف صحي، حتى وصل الامر بالبعض الى ان يقوم ببناء غرف للسائق او الخدم على محولات الكهرباء !!
كل تلك المظاهر المشوهة للمنظر العام والتجاوزات تلاشت بعد قرار مدعوم من السلطات العليا وبتمثيل مشترك من عدة جهات تمثلت باللجنة العليا لازالة التعديات على املاك الدولة والمظاهر غير المرخصة المنبثقة من مجلس الوزراء بقيادة اللواء المتقاعد محمد البدر والذي واجه صعوبات كثيرة وغضب شعبي بداية الامر لكن في نهاية الامر تم القضاء على اغلب التجاوزات وتنظيف البلد من كتل "الكيربي" المنتشرة في كل مكان.
التعديات تولد من جديد
في الفترة الاخيرة وبعد مرور هذه السنوات بدأت التعديات تظهر من جديد وتجدد عند البعض شعور اللامبالاة وبدأوا بإقامة بعد الديوانيات المتنقلة والكيربي واقامة الخيام امام المنازل من جديد.
تنبهت البلدية للأمر قبل أن يتفاقم فبدأت بتوزيع الانذارات وبعدها بازالة بعض تلك التجاوزات واخرها ما اعلنت عنه بلدية الجهراء عن قيام فريق الطوارئ ومشاركة إدارة الخدمات العامة بتنفيذ عدد من الحملات الميدانية التي استهدفت "الدواوين" المخالفة والمقامة على أملاك الدولة بمنطقتي الجهراء والنعيم وأسفرت عن إزالة ( 19) ديوانية وتوجيه (30) إنذار .
البلدية ترصد التجاوزات
تمتلك البلدية دورا تنفيذيا وهي عضو فعال في لجنة ازالة التعديات على املاك الدولة، فهي تقوم برصد المخالفات والتعديات في جميع مناطق ومحافظات الدولة وتتعامل معها بحسب القوانين والنظم المعمول بها .
مدير عام البلدية البلدية بالانابة المهندس احمد المنفوحي يوضح لـ"المستقبل" ان مشكلة التعديات لم تعد بالحجم الذي كانت عليه في السنوات الماضية حيث تم القضاء على اغلب التجاوزات القديمة والمتراكمة لسنوات طويلة مشيرا إلى ان ما تم التعامل معه مؤخرا هي تعديات جديدة ومستحدثة في فترة قريبة ويتم التعامل معها اولا باول بعد استيفاء الاجراءات الروتينية مع اصحاب تلك التعديات .
المنفوحي شرح طريقة تعامل البلدية مع التعديات فقال إن فرق البلدية تقوم باجراء كشف على التعديات وتضع انذارت على الموقع المخالف او التجاوز وبعد انقضاء مدة الانذار تتم الازالة واتخاذ الاجراءات القانونية مع الجهة المتجاوزة مؤكدا عدم وجود اي تراخي او محاباة مع اي شخص متجاوز على القوانين ومتعدي على املاك الدولة.
السماح بخيام في موسم الربيع
ودعا المنفوحي المواطنين والمقيمين الى ضرورة الالتزام بالقوانين واللوائح في هذا الشأن واتباع القواعد والنظم البلدية التي من شأنها حفظ حقوق الجميع لافتا الى ان البلدية سمحت في فترة موسم المخيمات الربيعية باقامة الخيام الصغيرة امام المنازل كمتنفس لبعض العوائل مع الالتزام بازالتها بعد الموسم وهو امر لا يعطي مبررا باقامة اي مبنى او خدمات تتعدى على املاك الدولة .
البلدي يشرع والبلدية تطبق
رئيس لجنة المهن الهندسية في المجلس البلدي المستشار احمد الفضالة وفي حديثه لـ"المستقبل" يشرح بأن قانون ازالة التعديات على املاك الدولة قانون قائم وتم وضعه بناء على رغبة من السلطات العليا ومجلس الوزراء وتم تشكيل لجنة تتبع مجلس الوزراء وتضم العديد من الجهات ابرزها البلدية وتم بالفعل ازالة جميع التعديات سابقا ويجب الاستمرار في تطبيقه وعدم تكرار تلك التعديات مشيرا الى الدور التشريعي للمجلس البلدي الذي اسهم كثيرا في وضع القوانين واللوائح التي تقوم البلدية كجهة تنظيمية وتنفيذية بتطبيقها .
امكانيات البلدية محدودة
المستشار الفضالة يعزو تكرار بعض التعديات في بعض المناطق الى العراقيل التي تواجه موظفي البلدية من الامكانيات المحدودة الى قلة الموظفين والمراقبين القائمين على الامر بحيث يصعب عليهم التواجد في كل المناطق بصفة مستمرة بسبب ازدياد الكثافة السكانية وازدياد عدد المناطق السكنية والاستثمارية وهو امر يعطل اعمالهم ويؤخر تطبيق القانون وازالة التعديات لمدة من الوقت .
ورأى الفضالة ضرورة تثقيف المجتمع بشكل كاف بهذا الخصوص واطلاعه على قوانين الملكية واملاك الدولة والتعديات وحثه على المساهمة في القضاء على تلك الظواهر السلبية وابراز دوره كسلطة مؤثرة ذات دور كبير في تطبيق القوانين مستشهدا بالدور الشعبي الذي اتخذه المواطنون تجاة اسواق السمك والصيادين من خلال مقاطعة سوق السمك والتاثير على اسعاره .
كل مواطن مسؤول
وقال ان كل مواطن يجب ان يبدأ بنفسه ويقتص الحق منها اولا بحيث لا يتجاوز على احد ولا يسمح للاخرين بالتجاوز عليه ويكون قدوة ومعينا في تطبيق الاخرين للقوانين، وكذلك المشاركة في جميع المحافل والنشاطات والبرامج التي توعي المواطن بحقوقه وواجباته تجاه الدولة.
وحول بعض المبررات التي يسوقها بعض المتجاوزين على املاك الدولة والتي من ابرزها صغر مساحات المنازل والحاجة الى بيوت اكبر قال الفضالة: ان السكن الذي وفرته الدولة للمواطن بناء على حقه في الدستور يتناسب وحجم العائلة المكون من الاب والام والابناء الصغار ومن المفترض ان يقوم الاب بتهيئة ابناؤه بأنه سيكون لهم سكن خاص عندما يكبرون ويتزوجون اما بجهد شخصي او بمساعدة الدولة والابتعاد عن فكرة البيت الكبير الذي يضم جيل الاجداد والاباء والابناء الذي لاتستوعب احجامها واعداد افرادها ما يجعل تلك المبررات غير مقنعه ولا منطقية.
تعديات مألوفة وغير مألوفة
قسّم المحامي هاني حسين في حديثه لـ"المستقبل" التعديات الى قسمين مألوفة وغير مألوفة، فالمألوفة كما يقول هي التعديات التي لا تشكل ضررا على الاخرين لكنها تعتبر تعديا على قانون املاك الدولة كأن يقوم البعض بالتجاوز على نسبة البناء المخصصة له مثل بناء غرفة للكهرباء او غرفة لخزان المياه او بناء دور اضافي، واوضح ان البلدية في حال اكتشاف المخالفة تقوم بانذاره ومن ثم تغريمه ماليا واخذ تعهد عليه ولا تُزال المخالفة الا في حال بيع البيت وتحويله الى شخص اخر وهنا تقوم البلدية بازالة المخالفة بعد الكشف" .
حسين اوضح ايضا ان النوع الثاني من التعديات هو الغير مالوف والذي يتجاوز على الاراضي خارج العقار مثل السلالم الخارجية والديوانيات والمخازن والكراجات والخدمات وكل ما يشوه المنظر العام ويأخذ مساحة غير مخصصة اساسا لتلك الانشاءات مشيرا الى ان المساحات خارج المنزل هي اراضي تابعة للدولة ومنطقة تحتوي على خدمات مثل خطوط الكهرباء والماء والهواتف والصرف الصحي، والبناء عليها يتسبب بتعطيل الصيانة والتجديد وعمل الطوارئ في تلك الخدمات بسبب التجاوزات عليها .
لتطبيق رادع للقوانين
حسين رأى ضرورة ان يندرج الموضوع تحت بند احترام القوانين والالتزام فيها وان يتعاون الجميع لتطبيقها حتى لا يكون تأثيرها عاما ويسبب خللا كبيرة في منظومة الخدمات في البلد او سببا للنزاع والمشاكل بين الجيران مشيرا الى ان مثل تلك التعديات خارج البناء تعيق الخدمات وشبكات الصرف وقد تعرضت كثيرا من المناطق في الكويت الى الغرق بسبب الامطار وضعف الشبكات وانقطاع الكهرباء ايضا في بعض المناطق بسبب التجاوز على محولات الكهرباء او تأخر الحفر اثناء اصلاح بعض الكابلات الارضية وهنا الامر يحتاج الى تطبيق مشدد للقوانين حتى تكون رادعا لكل متجاوز .
اطماع ومحسوبيات
حول رايه الخاص قال المحامي حسين ان الامر بوجهة نظره يحكمه الجشع والطمع وقلة الادب من قبل ضعفاء النفوس التي تقودهم دناءة انفسهم الى الاستيلاء على اجزاء من املاك الدولة لا يحق لهم التصرف بها ناهيك عن عدم الاكتراث الذي يصدر من بعض اصحاب النفوذ والمناصب ومن لديهم محسوبيات معتبرين انهم فوق القانون واليات تطبيقه مؤكدا تاييده ودعمه لجهود فرق الازالة في عملهم على ازالة تلك التعديات وتطبيق القانون على الجميع .
قضايا خاسرة
وحول وجود قضايا نظرت فيها المحاكم الكويتية بمطالبات بتعويض مادي عن الخسائر الخاصة بازالة التعديات من قبل المواطنين، أكد حسين وجود قضايا كثيرة من هذا النوع رفعها المواطنون مطالبين بالتعويض عن خسائرهم جراء ازالة تعدياتهم ضد البلدية ولكنها لم تحصل على اي حكم لصالحها بل غرّموا بتكاليف القضية وتكاليف الازالة ايضا، وهذا امر جيد ويجب ان لا نسمح لتلك التجاوزات ان تستمر وتصبح عرفا ونأتي بعد سنوات لنعتبره نوع من انواع التشريع فيعتبر قانونا ومسوغا لتلك التجاوزات
كما لفت المحامي حسين ايضا استيلاء البعض على اراض للدولة، ومع مرور اكثر من ١٠ سنوات عليها وسكوت الدولة عن تجاوزه عليها يظن انه اصبح من حقه استملاكها قانونا ما جعل هذه الفئة من الناس تلجأ الى المحاكم للمطالبة بهذا الامر لكن محاولاتهم باءت بالفشل ولم يحصلوا على اي شيء منها .
لعدم التمييز بين الاغنياء والفقراء
بنظر المحامي عادل عبدالهادي فإن القانون يجب ان يطبق على جميع التجاوزات وازالة المخالفات في كل مكان والتحرك لازالة تجاوزات المناطق الصناعية والشاليها والشويخ الصناعية ان وجدت وليس على المناطق السكنية فقط، مبررا دعوته هذا كي لا يشعر المواطنون بالتمايز ويتم تطبيق القانون بالسواسية على الغني والفقير ، وكذلك المساواة حتى بين التجار واصحاب المصانع وان يعاملوا دون تمييز .
وجزم عبدالهادي أنه لا يحق للشخص، الذي تم ازالة التعديات التي اقامها على ارض الدولة، المطالبة بتعويض لان فعله "تجاوز على املاك الدولة واغتصب ارضا ليست له موضحا ان هناك حالات قد تحصل على تعويض ان تم ازالة شئ مرخص داخل منزلة او عقاره .
البلدية تغض النظر عن بعض التجاوزات
وكشف المحامي في حديثه لـ"المستقبل" عن وجود تجاوزات في المباني تتم على مرأى ومسمع من مسؤولي البلدية، ويتم غض النظر عن بعض التجاوزات عند عملية تحويل ملكية العقار الى مالك ثاني وتنتقل التجاوزات للمشتري الجديد دون ازالة المخالفة او المخالفة عليها.
ورأى انه يتوجب على البلدية أن "تعدل بيتها اولا قبل ان تخالف تعديات بيوت الاخرين" ، مشيرا الى ان ٩٠ في المئة من العمارات والعقارات الجديدة مخالفة في كثير من المحافظات والمناطق مثل السالمية وحولي والمهبولة والفروانية وغيرها ويتم ايضا التغاضي عنها اثناء التحويل والبيع . "/المستقبل/" انتهى ل . م
|