واشنطن- محمد الريس: تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا تثير مخاوف مايكل أوهانلون الخبير العسكري المشهور ورئيس قسم الأبحاث بمؤسسة بروكنجز في واشنطن مشيرا في حديث خاص لـ"المستقبل" الى ان استمرار التناحر بين ميليشيات مدججة بالسلاح وعدم التوصل إلى توافق بين الأطراف الرئيسية المتنازعة في ليبيا يرشحها للتحول إلى دولة فاشلة ويوفر مناخا مواتيا لإقامة ملاذات آمنة لعناصر داعش.
تطورات أمنية متصاعدة
العناصر الموالية لتنظيم داعش في ليبيا لم تكتف مؤخرا بالسيطرة على مدينة سيرت الساحلية وحوالي مائتي كيلومتر من الساحل الليبي بل وصلت إلى جنوب مدينة بنغازي في شرقي البلاد واشتبكت مع القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا مما أدى إلى مصرع أربعة جنود وإصابة اثنين وعشرين آخرين.
هذا التطور يأتي بعد أيام من تحذير السفير الليبي لدى الأمم المتحدة ابراهيم الدباشي من تواجد إرهابيي داعش في مناطق مختلفة في ليبيا وإشارته أمام مجلس الأمن إلى انتشار عناصر من تنظيم القاعدة في أنحاء البلاد بعد أن خدعوا شباب الثوار الذين حاربوا معهم دون أن يدركوا انتماءاتهم الحقيقية.
في المقابل أكد المبعوث الدولي إلى ليبيا برناردينو ليون مجلس الأمن على ضرورة الحيلولة دون تكرار التقدم الكارثي الذي حققه تنظيم داعش في كل من سوريا والعراق.
ليبيا الساحة الثالثة لقتال داعش
الخبير العسكري المشهور ورئيس قسم الأبحاث بمؤسسة بروكنجز في واشنطن مايكل أوهانلون يؤكد إن تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا واستمرار التناحر بين ميليشيات مدججة بالسلاح وعدم التوصل إلى توافق بين الأطراف الرئيسية المتنازعة في ليبيا يرشحها للتحول إلى دولة فاشلة لا تسيطر فيها سلطة الدولة على كامل أراضيها، مما يوفر مناخا مواتيا تماما لإقامة ملاذات آمنة لعناصر تنظيم داعش مثلما تمكنت عناصر القاعدة في السابق من تحويل أفغانستان إلى نقطة انطلاق للهجمات الإرهابية حول العالم.
وبرأيه، فإن الأخطر هذه المرة هو توسيع نطاق فكرة دولة الخلافة التي يزعم التنظيم أنها ستمتد عبر أراضي العالم الإسلامي.
وبحسب ما يراه الخبير الأمريكي يجب أن يتنبه العالم العربي إلى خطورة تمدد تنظيم داعش ويقول إنه إذا واصل مقاتلو التنظيم كما تابعنا في الأخبار إلى "بن غازي" و"سيرت" فإنهم يقتربون من كثير من العواصم والمراكز السكانية للدول العربية المجاورة ولذلك يجب أن تكون هناك استراتيجية عربية واضحة لمواجهة ذلك التمدد.
التدخل العربي يزيد الدماء
وردا على سؤال "للمستقبل" عن تقييمه لعدم تأييد مجلس التعاون الخليجي لتكوين قوة عربية مشتركة يمكن أن تستجيب لطلب الحكومة الليبية المعترف بها دوليا لمواجهة تغلغل تنظيم داعش في ليبيا يعرب أوهانلون عن اعتقاده أن "دول المجلس ارتأت أنه ليس من الحكمة التدخل بقوات عربية لصالح أحد الأطراف في الصراع الدائر في ليبيا حيث أن مثل ذلك التدخل قد يسفر عن مزيد من إراقة الدماء وتعميق الانقسام بشكل قد يحول تماما دون أي فرصة في توصل الأطراف الليبية إلى توافق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية."
في حين يرى الخبير الامريكي انه أوهانلون اذا ما نجحت الوساطة الدولية في تشكيل تلك الحكومة يمكن أن تساندها قوة عربية مشتركة بعد التقدم الذي أحرزته الدول العربية في إظهار قدرتها على العمل العسكري المشترك في اليمن.
وينحي أوهانلون باللائمة على الولايات المتحدة لوقوعها حسب قوله في خطأ استراتيجي عندما لم تدقق في اختيار أفضل الخيارات المتاحة لها في ليبيا واعتقدت بدلا من ذلك أن ليبيا ليست في قائمة الأولويات بالمقارنة مع تركيز واشنطن المتردد على تمدد داعش في سوريا والعراق ونزوع الرئيس الامريكي باراك أوباما إلى توجه عام بالانسحاب بقدر الإمكان من التورط في أزمات وصراعات المنطقة العربية الأمر الذي أدى إلى غض النظر عن التدهور المتواصل في الأوضاع الأمنية في ليبيا.
لرسم استراتيجية إقليمية
الخبير العسكري الأمريكي يؤكد أن ليبيا يجب ألا تترك بمفردها في مواجهة تمدد تنظيم داعش ويجب الشروع فورا في رسم استراتيجية إقليمية تنطوي على توفير موارد أكبر بكثير فيما يتعلق بتجهيز قوات خاصة والاستعداد لتدريب قوات ليبية مع تكثيف الدعم العربي والدولي لجهود المصالحة من أجل التوصل لحكومة توافق ليبية ثم مساعدتها أمنيا في نزع سلاح الميليشيات وتشكيل قوات أمن ليبية قادرة على التصدي لجمعات إرهابية مثل تنظيم داعش.
أوهانلون يحذر من أنه إذا غضت إدارة الرئيس أوباما الطرف عن تمدد داعش في ليبيا فإنها ستكرر نفس الخطأ الذي سبق ووقعت فيه في سوريا ثم في العراق وسيسفر ذلك عن تكرار مأساة الملاذات الآمنة للإرهابيين في أفغانستان والتي انطلقت منها الهجمات الإرهابية على الأرض الأمريكية.
ماك للمستقبل: التناحر يهدد وجود ليبيا
أما السفير ديفيد ماك النائب السابق لمساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط فيعرب في حديث خاص لـ"المستقبل" عن قلقه لتمدد تنظيم داعش في ليبيا ولكنه يشدد على أن الحل لا يكمن في تشكيل قوة عربية مشتركة أو قصف جوي لمعاقل عناصر داعش في ليبيا وإنما في بذل المزيد من الجهود العربية لإقناع الأطراف المتنازعة في ليبيا بأن استمرار التناحر يهدد وجود ليبيا كدولة موحدة ويوفر مناخا مواتيا تماما لانتشار عناصر تنتمي لتنظيمات إرهابية مستغلة الفراغ الأمني.
واذ يأمل السفير ماك في حديثته "للمستقبل" ان تنجح جهود المبعوث الدولي في جلسات الحوار القادمة في جنيف في التوصل إلى توافق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية خاصة إذا أفلح في إقناع البرلمان الوطني الليبي في طرابلس بالانضمام وتفويت الفرصة على الارهابيين، يختلف مع تقييم الخبير العسكري أوهانلون لموقف إدارة أوباما من الوضع في ليبيا.
السفير الامريكي يعتقد ان "أن الإدارة الأمريكية كانت محقة تماما في عدم استخدام ضغوط عسكرية لفرض حل للصراع الدائر في ليبيا والتركيز بدلا من ذلك على التعاون مع الاتحاد الأوروبي في دعم جهود المبعوث الدولي الي ليبيا."
وبحسب السفير ديفيد ماك ينبغي أن تدرك كافة الأطراف الليبية أن الحل بأيديهم هم وحدهم وعليهم جميعا أن يتخلوا عن الطموحات الضيقة والنظر بعمق إلى خطورة إمكانية تحول ليبيا إلى دولة فاشلة لن ينجح فيها أحد سوى تنظيم داعش وعناصر تنظيم القاعدة.
ويخلص السفير ديفيد ماك الى القول: "متى تم توافق الليبيين على تشكيل حكومة وحدة وطنية سيمكن ساعتها للجامعة العربية والمجتمع الدولي تقديم يد المساعدة لفرض الأمن والنظام ونزع سلاح الميليشيات وهزيمة عناصر تنظيم داعش التي لا تنشط إلا في غياب قدرة الدولة على فرض سيطرتها وسلطتها على أراضيها."
|