«انتحال الشخصية» جريمة أم مرض نفسي فرضته قساواة الواقع؟
المؤمن لـ «المستقبل»: انتحال الشخصية جناية عقوبتها السجن ما بين ٥ الى ٧ سنوات
الفضل لـ «المستقبل»: «المنتحلون» يفتقرون للعاطفة والذكاء العاطفي
القطان لـ «المستقبل»: نفسية «منتحلي الشخصية» غير متزنة
عبدالله جاسم: قضية انتحال الشخصية غزت وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بانواعها المختلفة في الكويت في الايام القليلة الماضية، بطريقة خبرية واخرى هزلية من خلال انتشار بعض افلام الفيديو لبعض الاشخاص من الوافدين، سقطوا بيد الجهات الامنية لقيامهم بانتحال شخصيات لرتب امنية واستفادوا منها بطريقة شخصية، وتفاوتت اراء الناس بين ناقم ومطالب باقصى العقوبة وبين منتقد لتساهل الجهات المعنية بهذا الامر وبين متعاطف معهم ظنا بانهم يعانون من امراض نفسية .
الاهداف على حسب ما تسرب من اقوال المتهمين كانت متمثلة بالحصول على كيان من شأنه اجتذاب النساء واغوائهن لكن الواقع وبعض الشكاوى التي تقدم بها بعض المتضررين تفيد عكس ذلك وان الموضوع اشمل من ذلك بكثير .
القضية لم تكن الاولى من نوعها ولن تكون الاخيرة وقد تنوعت بشخوصها وشخصياتها فكثيرا ما طالعتنا اخبار الصحافة بعمليات القبض على مدعين لشخصيات رجال امن ومحامين واطباء ومعالجين روحانيين وغيرهم، ناهيك عن بعض الشكوك والتهم التي طالت بعض المسؤولين ورجالات الدولة حول صحة شهادات الدكتوراه التي حصلوا عليها بالخارج ونالوا على اساسها اعلى المناصب
«المستقبل» سلطت الضوء على هذه الظاهرة من الناحية القانونية وعقوباتها المنصوص عليها بحسب القانون الكويتي، كما وقفت على الرأي النفسي لتحليل شخصية المنتحل والاسباب التي تدفعه الى هذا الفعل.
استغفال الناس
لم تستطع الحداثة وتطور العلم والتكنولوجيا ان تمنع البشرية من السعي خلف الغيبيات فهي عادة قديمة دأب عليها البشر منذ بدء الخليقة، وربما تكون حالة الخوف من المجهول احدى اسبابها، ذلك الامر شجع فئة استغلالية ومريضة للسعي الى التكسب على حساب تلك الفئة واستغلالهم بوسائل عدة عن طريق انتحال شخصية المعالج الروحاني، او خبير الاعشاب والعلاج بالطبيعة. أمور لها تشعبات وصور كثيرة لكن هدفها واحد ومضمونها واحد وضحيتها واحدة، فمهنة المعالج الروحاني او كما يدعي البعض انها علاج بالرقية الشرعية اصبحت ارضا خصبة للمشعوذين والسحرة و»النصابين» ليدّعوا ما ليس لهم به علم، ويستغلون الناس ويوهمونهم بالعلاج ويبتزونهم وربما يصل الامر كما في بعض الحالات الى الاغتصاب والنصب والتفكك الاسري.
كما ان الانترنت سهّل «مهنة المنتحلين» باعتبار ان الاطراف مخفية وغير ظاهرة فيمكن للمرأة ان تتحول الى رجل والعكس صحيح، وكثير من الجرائم يمكن ان ترتكب في الخفاء.
انتحال الشخصية سواء كان فعل يرتكبه البعض باصرار وتخطيط او صفة يتصف بها عند الحاجة فهو امر ليس بالجديد وتنوعت اشكاله وافعاله منذ القدم، وفي جميع الاحوال فالفكرة تهدف وتعتمد على ايهام الاخرين وغشهم والاستفادة من الدور الذي يتقمصه المنتحل للشخصية الوهمية .
فكيف ينظر القانون الى هذه الظاهرة؟
الجانب القانوني والجزائي للقضية
المحامية مريم المؤمن تطرقت الى معالجة الجانب القانوني والجزائي لهذه الظاهرة حيث أوضحت في حديث خاص لـ «المستقبل» ضرورة التمييز بين انتحال الشخصية وانتحال الصفة، «فالاولى ان يقوم المتهم بانتحال شخصية سين من الناس من اسمه وعائلته ونكون امام جريمة انتحال شخصية التي تعد جناية عقوبتها بين ٥ الى ٧ سنوات واقل، اما انتحال الصفة ان يقوم بانتحال وظيفة مثل دكتور او محامي او غيره و هنا نكون امام جريمه نصب واحتيال وتعد جنحة عقوبتها ٣ سنوات او اقل» .
المؤمن شرحت أن ما جرى قبل ايام على وسائل التواصل الاجتماعي هو جريمة لشخص ينتحل صفه ضابط وايضا اسمه، «فاذا كان هذا الاسم وهمي فنكون امام جريمة انتحال صفة اما اذا كان الاسم لشخص موجود بالفعل فهنا نكون امام صفه وشخصيه» .
المؤمن اوضحت ان الموضوع لا يقتصر فقط على الجانب الامني مشيرة الى انه بعيدا عن الجرائم التي تم القبض عليها مؤخرا «يجب الحرص ممن ينتحل صفة موظف في البورصه او البنوك او شركات الاستثمار ويوهم الاخرين بانه قادر على تمويلهم او استثمار اموالهم، وكذلك يجب الحرص من منتحلي صفه الاطباء خصوصا بين المجتمع النسائي، لافتة الى وجود بعض خبيرات التجميل تنتحل صفه دكتور تجميل وتمارس الطب من خلال حقن البوتكس والفيلر في الوجه مما يؤدي الى اصابات واعاقه بسبب عدم الخبره واستخدام مواد غير مرخصه من وزاره الصحه او خطره، و ذلك اما لاستمرار هذه الماده في الجسم لفتره طويله وهذا ما تريده اغلب النساء او لرخص ثمنها، فارواح البشر لا تقدر بمال، فلندفع المزيد لدكتور بدلا ان ندفع الاقل لمنتحل» .
المنتحل والمعاملات المالية
المحامية المؤمن لفتت الى انه عندما يقوم المنتحل بالحصول على المال بسبب هذا الانتحال فتكون عقوبته الحبس5 سنوات او اقل اما اذا قام المنتحل بتوقيع اوراق او وضع التزامات على الشخص المنتحلة بصفته فتكون العقوبه 7 سنوات او اقل، و بكلا الحالات هذه الجريمه تعد جنايه و ليست جنحه، مما تؤثر بشكل سلبي و كبير على المتهم من حيث صحيفه سوابقه ووظيفته ووضعه الاجتماعي».
ورغم ان الجرائم التي ظهرت في الايام السابقه والتي تم القبض على مرتكبيها، احدثت ضجه اعلاميه كبيرة ولكن هذا لا يعني بحسب المحامية المؤمن، انها جريمه حديثة على المجتمع «بل هي موجوده وبصوره كبيرة» مؤكدة ان وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الايام ساعدت على الانتشار وعلى القبض على هؤلاء المتهمين .
ذكاء عالي نسبوه لغيرهم
واذا كان القانون يُجرّم المنتحل فكيف ينظر الطب النفسي لهؤلاء المرتكبين للجريمة؟ اختصاصية العلاج النفسي والاكلينيكي الدكتورة عذاري الفضلي تحدثت لـ «المستقبل» عن اسباب ارتكاب البعض لهذه المخالفة القانونية، فقالت ان البعض اسباب ارتكابه لها، تتعلق بالصفات الوراثية فهم شخصيات تتمتع بالذكاء العالي وهم يعانون من مرض نفسي بحيث لديهم مشاعر سلبية لكنهم اذكياء وقد يكون هذا امر وراثي بالاضافة الى التكتيك والتحايل والتخطيط يعتبر حالة وراثية او سلوك مكتسب من البيئة المحيطة له وتصرف على اساسها، وكونها شخصيات تفتقر للعاطفة والذكاء العاطفي فدائما ينسبون قوتهم وامكانياتهم للاخرين وليس لانفسهم وعندهم عدم الثقة بالذات ودائما ما يرون الفشل بانفسهم وينتحلون شخصيات غير شخصياتهم بحيث تحقق لهم الرضا الذاتي من خلال الشخصيات التي لا يستطيعون الوصول الى نجاحها ووضعها العالي بالمجتمع بحيث يرغبون برسم الصورة لها في ذاتهم وهذا ما ينتجه الاحساس بالنقص لديهم ما يجعلهم ينتحلون تلك الشخصيات.
معالجة المنتحلين
وحول امكانية العلاج قالت الدكتورة الفضلي «اننا نستطيع ان نعالج مثل هذه الحالات من خلال تطوير شخصياتهم وامكانياتهم وتشجيعهم ومنحهم الثقة الكافية بالنفس والقضاء على عقدة النفس في تفكيرهم»، مشيرة الى ان هناك طرق للعلاج وتتضمن ان يتم تعليمهم كيف ينسبون انجازاتهم الى انفسهم ونجاحاتهم الى قدراتهم الخاصة وتعليمهم ايضا التركيز على نقاط القوة والذكاء وكيف يستفيدون منه ويحولونه الى صالحهم ويترجمونه الى انجازات واقعية ترقيهم في المجتمع وتغير صورتهم الذاتية عن نفسهم وتُغير الصورة الواقعية لهم في المجتمع ولا ينتسبون الى شخصيات مختلفة عنهم» .
وبحسب الفضلي فان الشخص الذي يقوم بانتحال الشخصيات قد يخضع في بعض الحالات الى بعض انواع العلاج الخاصة بحالات الاكتئاب والحزن والخوف مثلا ونزيد من ثقتهم في انفسهم ونرفع من معنوياتهم بشكل تدريجي وفي حال فشلهم في العمل نحاول ان نعلمهم ونرشدهم الى الذهاب الى شخص مختص ايضا حتى يحولوا نقاط الضعف والفشل الى نقاط قوة من خلال التدريب ايضا حتى يتم القضاء على كل تلك المشاعر السلبية» .
تأثير العادات والتقاليد
أما العادات والتقاليد والمجتمع السلبي فلهم دور كبير ايضا في هذه الحالة برأي الفضلي حيث يعاني البعض منهم الى النظرة الدونية من المجتمع خاصة اذا كانوا من الطبقة الفقيرة او البسيطة في المركز الاجتماعي، خصوصا واننا مجتمع تطغى فيه المظاهر وتسوده الظواهر الاجتماعية السلبية، ما يجعلهم يتأثرون بذلك كثيرا ويعيشون أدوار غير ادوارهم الحقيقية وينتحلون شخصيات اخرى».
منتحلو الشخصية اذكياء
الفضلي تحدثت عن تقمص وانتحال للشخصيات في مهن كثيرة مثل الاطباء والاستشاريين والمهندسين والمدربين بحيث ينتحل اشخاص ليسوا اهلا للاختصاص لمثل هذه المهن، ومعظم المنتحلين يكونون اشخاصا فشلوا في الحصول على شهادة ولم يفلحوا في دراستهم لكنهم يتميزون بذكاء ووعي ومعرفة واستطاعوا ان يدخلوا الى تلك المجالات برغبات ذاتية ويمارسونها بشكل عادي دون ان يشعر بهم احد واعتمدوا على بعض الخبرات والمهارات وهي حالة مرضية شديدة الخطورة لانها قد تعرض حياة الاخرين للخطر» .
وقالت الفضلي ان هناك امثلة نراها بالفترة الاخيرة مثل امتهان او انتحال شخصية رجل امن وهي جدا سلبية وفيها تعريض للنفس للمخاطر وتعتبر حالة غير سوية وتحتاج الى علاج نفسي.
الحاجة الى ارشاد نفسي
الاستشارية النفسية ومدربة التنمية البشرية الاستاذة الهام القطان قالت ان «انتحال الشخصية تعتبر حيلة من حيل الدفاع النفسي وان سمات هذه الشخصية غالبا لا تكون توافقية ولا متزنة ولا تستطيع انجاز المهام الموكلة اليها او المهام الاختيارية بشكل كامل اذا لم تتهرب اساسا من تلك المسؤوليات .»
القطان لفتت الى ان تقمص الشخصيات يكون في بعض الاحيان حيلة من حيل الدفاع النفسي عن خطر يهدد أمن النفس أو المركز الاجتماعي أو الاقتصادي أو للهروب من مشكلة أو لفت انتباه جهة ما لتسهيل مهمة معينة كلٌ حسب الرادع والتراكمات
وزادت القطان ان شخصية «المنتحل» غير تكيفية أو توافقية مشيرة الى وجود أسباب اجتماعية تقود لمثل هذه الأمراض منها وسائل التنشئة الاجتماعية وأولها الأسرة ومن ثم مرحلة جماعة الرفاق ثم المدرسة فالجامعة بالإضافة لدور الإعلام والدين حسب نسبة الوازع لديه، فإذا قدمت هذه الوسائل بشكل مطلوب ومناسب يكتسب الفرد معياراً صحيحاً وناجحاً لقياس الأخطاء ومعرفة السلوكيات الصحيحة والعكس صحيح».
فأي شخص بحسب القطان، افتقد وسائل تنشئة اجتماعية غير سليمة يتكون لديه مقياس غير سليم، فبغياب قوانين التنشئة الأولى وضعف الوازع الديني والنفسي سيكون عرضة للانسياق وراء تلك الحالة بالاضافة الى ان قلة الخبرات وضعف الشخصية والمقارنة بالاخرين والحلم الغير متوافق مع القدرات وعدم وجود أهداف واضحة وعدم تعزيز وتقدير الذات كلها من الأسباب الواضحة الجلية لمن ينتحلون الشخصية بشكل واضح.
ونصحت القطان بالتدخل المباشر للمسؤول عن الشخص او ذويه، والاسراع بعرضه على الإرشاد النفسي حتى لا تتطور الحالة فتصبح مرضاً نفسياً.. ويقوم الشخص بارتكاب ما لا تُحمد عقباه».
|