بقلم م. فهد داود الصباح
احتفلنا بالعيد الوطني ويوم التحرير، وانتهت الاجازة وعاد كل منا الى عمله، لكن العديد من الاسئلة تبرز في الذهن ولا بد من الاجابة عنها، وهي تتعلق بالمواطن وماذا استفاد من درس الغزو القاسي، وبعضها يتعلق بالدولة ككل، وما هي الاستراتيجية التي عملت عليها من اجل هوية وطنية جامعة، وهل استطاعت طرد الهواجس حيال المخاطر التي استيقظ عليها الكويتي فجأة في الثاني من اغسطس عام 1990، ومنها بدأ يفكر بطريقة مغايرة تماما لما كانت عليه الحال قبل ذلك اليوم، وهل هذا الكويتي ساعد عبر المبادرة الفردية في تغيير الذهنية ام انه استسلم للهواجس وراح يشق طريقه في الحياة على هذا الاساس، واين هي الشواهد على تغيره، وماذا فعل لنفسه وبلاده؟
طوال العقدين ونصف العقد الماضيين كانت هذه المناسبة الوطنية العزيزة على كل كويتي مناسبة احتفال وفرح، وبعد انتهاء المناسبة يعود المواطن الى حياته العادية، لكنها ليست عادية كما هو مفترض، ففي الدول التي تتعرض للغزو والاحتلال تبدأ بعد تحريرها في بناء منظومة متكاملة من اساليب العمل الانتاجي التي تساعد على تحصين الهوية الوطنية والالتصاق بالارض اكثر، بل بعد المحنة يزداد تعلق الفرد بأرضه لانه يكون استفاد من المعاناة التي مر بها اثناء المحنة، الا في الكويت تحولت المناسبة الى احتفال فرح فقط من دون اي استفادة من الدروس، فبدلا من ان يعمل المواطن على المساعدة في بناء مؤسسات قوية، ويرفع من انتاجيته رأينا هجمة كبيرة من المواطنين على المطالبة اكثر بالمزيد من الهبات والمنح والزيادات، والسعي الحثيث الى جمع الاموال بشتى الطرق، وبدلا من توظيفها في الداخل فانها تودع في البنوك خارج البلاد، اضف الى ذلك ان غالبية الكويتيين يشترون المنازل في الخارج، ويفكرون جديا في تأمين مصادر دخل لهم في الدول التي اودعوا فيها اموالهم، فهل هذا دليل على الانتماء الحقيقي للوطن او انه تعبير عن عدم ايمان بنهائية وطنهم؟
الدولة تقدم للمواطن كل شيء، الوظيفة والمنزل والراتب والتعليم والطبابة وحتى المواد الغذائية، واذا طرحت قضية رفع الدعم عن بعض الخدمات، كالكهرباء او الماء او البنزين، نرى ان ذلك يترافق مع اقتراحات بمنح المواطن مبلغا من المال نظير رفع ذلك الدعم، علما ان دول العالم كافة ترفع الدعم عن الخدمات من دون تقديمات، ورغم ذلك يعمل المواطنون فيها بكل شفافية وصدق، ويقدمون لوطنهم من دون اي مقابل بينما عندنا يكاد يكون الامر اشبه بإغراء المواطن بالانتماء الى الوطن، هذا الوطن الذي تنظر اليه نسبة لا بأس بها من المواطنين على انه مؤقت، او اشبه بالفندق الذي يبيتون فيه من اجل جمع غلتهم من السوق، ولذلك نرى العديد من المشاريع التي تنفذ تكون مبنية بطريقة توحي انها مؤقتة وليست دائمة، وكأن ما ورد في احدى دراسات البنك الدولي عن الانفاق غير المدروس في الكويت هو قناعة عند غالبية الكويتيين، عن الكويت دولة مؤقتة، وليست وطنا دائما.
لا تسمع في الديوانيات الا الحديث عن الزيادات، ورفض الالتزام بدفع الضرائب اذا اقرت، حتى ان المواطن لا يسهم في رفع مستوى الخدمات العامة من خلال المحافظة عليها، وهذا سببه عدم القناعة ان الرفاهية التي تؤمنها الدولة للمواطن ليست شراء ولاء او انتماء انما هي واجب من واجباتها لكن في المقابل على هذا المواطن ان يعمل بأمانة وشفافية وانتاجية كبيرة كي يكون بمستوى مواطني الدول الاخرى، فنحن اذا قارنا بين الحريات في الكويت وبقية المنطقة لوجدنا ان صفة مواطن تنطبق على الكويتي اكثر من اي انسان اخر يعيش في هذا الاقليم، فهذا المواطن يتمتع بحقوق سياسية واجتماعية واقتصادية تفوق ما يتمتع به غيره بكثير، وهو مقارنة بالعديد من المواطنين في العديد من الدول الاوروبية يكاد يتساوى معهم، بل انه يفوقهم في الحقوق لناحية الرعاية الاجتماعية والاقتصادية غير المتوافرة للاوروبيين، وبينما يلتزمون هم بالعمل من اجل اوطانهم من خلال الانتاجية العالية التي يقدمونها في عملهم، والمساهمة في تطوير الدولة من خلال الافكار التي يطرحونها لتطوير العمل والاداء، نجد الكويتي ساهم وبسلبية في غالبية المشكلات الاقتصادية التي تعانيها البلاد، فهو ساهم في ازمات البورصة من خلال الاقبال على المضاربة غير المدروسة فيها، ففي السنوات الماضية كنت ترى موظفا لديه بضعة الاف من الدنانير جمعها طوال سنوات يضارب بها من دون دراسة، وهو من منع تطور التعليم من خلال مساعدته في ترويج تجارة الدروس الخصوصية، وهو من ساهم في خلل التركيبة السكانية عبر تجارة الاقامات، وهو من دفع الى التجرؤ على مخالفة القانون عبر الواسطات التي يوظفها لمنع مخالفته، وهو من لم يلتزم بعمله والقواعد الصحيحة والقانون، فتجد موظفا يداوم ساعة في عمله، وانتاجيته لا تتعدى 23 دقيقة وفي الوقت نفسه تجد ان تقارير الانتاجية في نهاية العام تذيل بدرجة ممتاز لكل الموظفين، وتصرف لهم العلاوات والمكافآت على ذلك من دون اي جهد، فيما تراجعت المبادرة الفردية، وبات العمل التطوعي عملة نادرة، حتى الذين يتطوعون لنشاط معين ينتظرون مكافأة من نوع ما على ذلك.
فماذا استفاد الكويتي من درس الغزو والاحتلال؟ لا شيء، وصحيح ان الحكومات المتعاقبة تتحمل جزءا من المسؤولية في هذا الشأن لكن الجزء الكبير من المسؤولية يقع على عاتق المواطن الذي لم يفكر للحظة ان الانتماء الوطني لا يقاس بما تقبضه وتحصل عليه من الدولة، بل بما تقدمه لوطنك ومجتمعك والاجيال القادمة، ولذلك ياحبذا لو يصبح التجنيد الالزامي عملية تربية وطنية حقيقية وليس فقط الزاما بالخدمة العسكرية.
المصدر : النهار
تصنيفات :
كلمات و مفاتيح :
almustagbal.com