يتجه اليمن بخطى متسارعة إلى قيام سلطتين، واحدة في صنعاء وأخرى في عدن حيث اتخذ عبد ربه منصور هادي يوم أمس قرارات تنفيذية، ما يرفع من منسوب تحدّيه للحوثيين التي أعلنته هارباً من العدالة وفاقداً للشرعية
حيث بدأ التحدّي بين الحوثيين والرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي يأخذ منحىً أكثر جديةً، في ظلّ إصرار هادي وما يمثله من نفوذ إقليمي في الداخل اليمني، على المضيّ حتى النهاية في الصدام مع الجماعة؛ فبعد الرسالة التي وجهها إلى البرلمان لسحب استقالته من منصب الرئاسة، أكدت «اللجنة الثورية» التابعة لـ«أنصار الله» أن هادي فاقد لأي شرعية، قبل أن تصدر قراراً بإحالته إلى النيابة العامة، محذرةً من تعامل مؤسسات الدولة معه بصفته رئيساً للجمهورية، وهو ما ينذر بنشوء سلطتين تنفيذيتين في البلاد، إحداهما في عدن والأخرى في صنعاء، خصوصاً أن هيئات تابعة لهادي أعلنت من عدن، أمس، تعيينات عسكرية وأمنية.
في هذا الوقت، يزداد الضغط على الحوثيين من الخارج أيضاً، حيث أصدر مجلس الأمن قراراً بتمديد العقوبات التي تستهدف الرئيس السابق علي عبدالله صالح واثنين من قيادات الجماعة.
وفي خطوةٍ تظهر بعد الأزمة وتأثيرها الاقليمي والدولي، أشار وزير الخارجية الأميركي جون كيري، يوم أمس، إلى أن «الدعم الايراني للحوثيين ساهم في سيطرتهم على اليمن وانهيار الحكومة فيه». لكن كيري استدرك في حديثٍ أمام الكونغرس، قائلاً إن «الايرانيين فوجئوا بالأحداث التي جرت ويأملون إجراء حوار». وفي ظلّ مؤشرات على انقسامٍ سيطول، وربما قد يصل إلى استنساخ النموذج الليبي لجهة قيام سلطتين في البلاد، أعلنت «اللجنة الثورية» أنها تتابع «التحركات المشبوهة للمدعو عبد ربه منصور هادي، الفاقد للشرعية ولأي تصرف كرئيس للجمهورية اليمنية». وحذرت في بيان «كل من يتعامل معه بصفة رئيس دولة وينفذ أوامره من موظفي الدولة ومسؤوليها وبعثاتها الدبلوماسية كافة، تحت طائلة تعرضهم للمساءلة القانونية». واعتبرت الجماعة هادي هارباً من العدالة، داعيةً «الدول الشقيقة والصديقة إلى احترام خيارات الشعب اليمني وقراراته وعدم التعامل مع المدعو هادي».
وفي وقتٍ أصدر فيه مجلس الأمن قراراً جديداً نص على تمديد العقوبات على الرئيس السابق على عبدالله صالح وقياديين اثنين في «أنصار الله» كان قد أصدره قبل أشهر عدة تحت الفصل السابع، قللت الجماعة من أهمية القرار الدولي، ووصفته بأنه «لا يؤثر في ثورة الشعب اليمني». وقال عضو المجلس السياسي في الجماعة، علي القحوم، في حديث إلى «الأخبار»، إن موقف مجلس الأمن ليس جديداً، معتبراً أن هذا المجلس لا يتحرك في مصلحة الشعوب، وأن قراراته تخدم القوى الخارجية التي لديها مواقف عدائية من «ثورة 21 أيلول». وتوقع القحوم ألا يصدر أي قرار عن البرلمان بخصوص رسالة هادي، مؤكداً أن الشعب قد تجاوز هادي، وهو (الشعب) ماضٍ في تحقيق الخطوات التي نص عليها الإعلان الدستوري. ونصح القحوم أبناء الجنوب بألا يسمحوا لتلك القوى التي تحركها قطر والسعودية وأميركا بالتحرك «لتمييع قضيتهم ولجعل مناطقهم مسرحاً للمؤامرات».
ويوم أمس، عبّر جنوبيون عن موقفٍ مغاير لما تظهره بعض وسائل الاعلام الخليجية، حيث خرجت تظاهرات متفرقة في عدن وبعض المدن والمحافظات الأخرى، «لرفض استخدام الجنوب ساحةً للصراع»، وشهدت هذه التظاهرات إحراقاً لصور هادي. في هذا السياق، تؤكد الناشطة في «الحراك الجنوبي»، منى العمودي، أن الجنوبيين تفاءلوا بدايةً بوصول هادي إلى عدن يوم السبت الماضي، ظناً منهم أنه سيعلن الانفصال على الفور، مستدركةً بالقول إن أبناء الجنوب استاؤوا من تجاهل هادي لقضيتهم، وطالبوه بالإقامة في الجنوب كأحد أبنائه فقط، من دون القيام بأي عملية سياسية أو محاولة نقل صراع صنعاء الى عدن». وفيما أشارت العمودي إلى تمسك الجنوبيين بمطالبهم بالاستقلال، أكدت أن هادي في فترة رئاسته «عمد الى شراء العديد من قيادات الحراك الجنوبي، ومن ضمنهم العميد ناصر علي النوبة، لاختراق الحراك الجنوبي». وفي عدن التي يُراد لها أن تكون عاصمة بديلة وفقاً لممارسات هادي وتصريحات خليجية، أكدت مصادر أمنية إصدار اللجنة الأمنية العليا في المحافظة قرارات بتعيين قيادات أمنية جديدة، جاءت مذيلة بتوقيع كل من رئيس وأعضاء اللجنة الأمنية، ومحافظ عدن، عبد العزيز بن حبتور، وقائد المنطقة العسكرية الرابعة اللواء الركن عبد ربه منصور الطاهري، ووكيل جهاز الأمن السياسي في محافظات لحج وأبين وعدن، اللواء ناصر منصور هادي، وذلك في تحدٍّ صريح لإرادة «اللجنة الثورية» في صنعاء، ومحاولةً لإرساء سلطة ثانية من الجنوب.
إلى ذلك، قالت مصادر في مطار عدن الدولي إن عدداً من قيادات ونشطاء حزب الإصلاح، الذين فرّوا في أيلول الماضي إلى عدد من الدول العربية وتركيا عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء، عادوا في اليومين الماضيين إلى عدن. وأكدت صحيفة «عدن الغد» أن عدداً من الرحلات التي وصلت إلى عدن قادمة من القاهرة ودبي وإسطنبول، كان على متنها قيادات ونشطاء في «الإصلاح»، من بينهم محافظ عدن السابق الإصلاحي وحيد رشيد.
يتجه اليمن نحو التقسيم السياسي والأمني والعسكري وكأنما حلت على تلك الدولة نقمة إلهية بين ليلة وضحاها .. والتساؤلات تبقى في إطار مجهول .. من سينقذ اليمن من أزمتها ؟