السعودية- عمر غالب : مع تزايد الهجرة غير الشرعية وتدفقات اللاجئين الفارين من مناطق الصراع حول العالم يكثر الحديث عن موضوع الاتجار بالبشر تلك الجريمة المعقدة وذات الابعاد المتعددة. وأضاف الدكتور حاتم فؤاد في حديث خاص لـ"المستقبل": ان دول الخليج صارت بلا شك هدفا خصبا لعصابات الاتجار بالبشر لأنها دول ذات رخاء اقتصادي واستقرار سياسي وهذا ليس عيباً في حد ذاته بل أن بعض الخبراء أشاروا الى ان مؤشر رخاء بعض الدول يقاس بعدد الجرائم التي تكتشف من هذا النوع على اراضيها. وأوضح أن الكثير من الخبراء يتفقون على أن مقاربة حقوق الإنسان للإتجار بالبشر هي الأنسب تماما لأنها تدرك أن الشخص المتجر به ضحية ومؤهل لحقوقه الإنسانية، وبصفته هذه له الحق في الحماية والمساعدة إذا تم انتهاك هذه الحقوق الإنسانية بغض النظر عن جنس أو عمر أو جنسية الضحية. وأشار ممثل مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الى أن انتهاكات حقوق الإنسان هي بمثابة سبب ونتيجة للإتجار بالبشر، ومن ثم، فإنه من الضروري حماية حقوق الإنسان من خلال وضع التدابير اللازمة لمنع وقوع جرائم الاتجار بالبشر والقضاء عليها، مع الحرص ألا تؤثر التدابير المضادة للإتجار بالبشر سلبا على حقوق الإنسان وعلى كرامة الأشخاص وبخاصة حقوق أولئك الذين تم الاتجار بهم . ولفت الدكتور حاتم على الى أن جريمة الاتجار بالبشر وُلدت لتكون دولية وعابر للحدود المحلية مشيراً إلى أنها تمر بثلاثة مراحل، بلد المنشأ وبلد العبور وبلد المقصد لذلك يجب أن تكاتف كافة الجهود لمحاربتها، مشيراً الى أن تقرير الأمم المتحدة لعام 2013 يقدر عدد الأشخاص الذين يقعون ضحايا لعمليات الاتجار بالبشر في العالم بــ25 مليون نسمة بينهم نسبة الثلثين من النساء والفتيات، بينما تجني العصابات الإجرامية من وراء هذه الأعمال نحو 32 مليار دولار سنويا. وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط أوضح د.حاتم علي أن هذه المنطقة بها تدفقات الإتجار بالبشر البعيد المدى، وجرائم عابرة للحدود الوطنية حيث ان 70 % من الضحايا المكتشفين في هذه المنطقة الفرعية قادمون من مناطق أخرى، وخلال الفترة الممتدة بين العامين 2007 و2010، اكتشف في الشرق الأوسط ضحايا من نحو 40 جنسية مختلفة، بمن فيهم مواطنون من نحو 20 بلدًا خارج إفريقيا والشرق الأوسط معظمهم من أوروبا وكان أكثر أشكال الإتجار المكتشفة شيوعا هو الإتجار لأغراض الاستغلال الجنسي. وبين الدكتور فؤاد أن الارقام التي تصدر بهذا الخصوص غالباً ما تكون غير دقيقة لتعقد الجريمة كونها جريمة صعبة الاكتشاف وأرقام إحصاءاتها قابلة للزيادة، مؤكداً بأن هذه الجرائم باتت عابرة للحدود وتستدعي تضافر جهود دولية لاتخاذ تدابير مشتركة للحد منها. وحول الاسباب التي أدت الى تزايد هذه الجريمة أكد ممثل مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن الأسباب كثيرة وذات طبيعة اقتصادية، وثقافية، واجتماعية، وقانونية وسياسية، ومن بين تلك الأسباب الفقر والتخلف، والتقاليد الاجتماعية والثقافية، والمؤسسات القانونية الضعيفة، والحرب الأهلية، والاضطراب السياسي، والفساد، لافتا الى ان الجماعات التي تصبح ضعيفة نتيجة لواحد أو أكثر من هذه العوامل والاسباب تكون مرجحة لأن يتم المتاجرة بها، فالمتاجرون يعمدون إلى استهداف الأشخاص الأكثر ضعفا وهشاشة في المجتمع كي يستغلوهم ومن ثم يقعوا فريسة سهلة لحيلهم وجرائمهم. ولفت الدكتور حاتم خلال حديثه لـ"المستقبل" أن جريمة الاتجار بالأشخاص تمس كل بلد تقريبًا في كل منطقة من العالم، لافتا الى انه فيما بين عامي ٢٠١٠و ٢٠١٢ ، جرى تحديد ضحايا يحملون ١٥٢ جنسية مختلفة في ١٢٤ بلدًا عبر الكرة الأرضية، وعلاوة على ذلك، فإنَّ تدفقات الاتجار – أي الخطوط الوهمية التي تصل نفس بلد المصدر وبلد المقصد لخمسة على الأقل من الضحايا الذين تم اكتشافهم – تتقاطع في مختلف أنحاء العالم. ونوه بأن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدِّرات والجريمة حدَّد ٥١٠ من هذه التدفقات على الأقل، وهذه الأرقام تمثل الحدود الدنيا لأنها تستند إلى البيانات الرسمية التي تقدمها السلطات الوطنية، ولا تمثل هذه الأرقام الرسمية سوى الجزء الظاهر للعيان من ظاهرة الاتجار بالبشر، والأرجح أنَّ الأرقام الفعلية تتجاوز ذلك بكثير. وبين د. حاتم أن غالبية تدفقات الاتجار تتم داخل إقليم معين، بمعنى أنَّ بلد المصدر لضحية الاتجار وبلد مقصده يقعان في المنطقة نفسها؛ وفي كثير من الأحيان داخل المنطقة الفرعية نفسها، ولهذا السبب، يكون من العسير كشف النقاب عن مراكز الاتجار العالمية الكبرى، وغالبًا ما يُتجر بالضحايا من البلدان الفقيرة إلى البلدان الميسورة (مقارنة ببلد المصدر) داخل المنطقة. وأوضح الخبير الاممي أن تدفقات الاتجار تُكتشف عبر الأقاليم في البلدان الغنية الواقعة في الشرق الأوسط وأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، وفي كثير من الأحيان تشمل هذه التدفقات ضحايا من "الجنوب العالمي"؛ وهي بلاد شرق آسيا وجنوبها وبعض بلاد قارة أفريقيا، وتبين الإحصاءات أنَّ ثمة ترابطًا بين ثراء بلد المقصد (الناتج المحلي الإجمالي) والحصة من الضحايا الذين يُتَّجر ﺑﻬم إلى ذلك البلد من مناطق أخرى، مؤكدا أن البلدان الأغنى في العالم تجتذب ضحايا الاتجار من بلدان المصدر وهي البلدان الفقيرة ، في حين تتأثر البلدان الأقل ثراء بتدفقات الاتجار الداخلي أو دون الإقليمي في المقام الأول. وختم الممثل الاممي حديثه لـ"المستقبل" بأن جريمة الاتجار بالأشخاص جريمة عابرة للوطنية وكثيرًا ما يتورّط فيها جناة داخليين حيث تشمل رقعة جغرافية محدودة يكون أغلب ضحايا الاتجار بالأشخاص أجانب في البلد الذي يُكتشفون فيه كضحايا، أو بعبارة أخرى، فإنَّ هؤلاء الضحايا – ونسبتهم تتجاوز ٦ من كل ١٠ من جميع الضحايا – يُتَّجَر ﺑﻬم عبر حدود وطنية واحدة على الأقل، ومع ذلك، فإنَّ العديد من حالات الاتجار تنطوي على حركة جغرافية محدودة حيث أنها تحدث في الغالب داخل منطقة فرعية (في كثير من الأحيان بين بلدان متجاورة). "/المستقبل/" انتهى ل . م |