لبنان-خالد الغربي: موجة الحر الشديد التي تضرب لبنان تبقى أقل من غليان يعيشه هذا البلد المثقل بأزمات تجتاحه بالجملة، وهي مفتوحة على خيارات عدة،  الدولة بلا رأس، ورؤوس النظام تلعب على حافة الهاوية، حلول ومعالجات ترقيعية لأزمات وطنية كبرى.. أزمة نفايات، حكومة عملها شبه معطل، غياب تام للمؤسسات ولوظيفتها في حماية الامن السياسي والامني والاقتصادي، ارتفاع معدلات الجريمة الفردية التي لم يشهد لبنان مثيلها حتى زمن الحرب الاهلية، مع هذه الفوضى العارمة تطرح راهنا اسئلة المصائر.. لبنان إلى أين؟ هل المطلوب اسقاط الدولة؟ هل سينفجر الوضع؟؟

انتفاضة على النفايات
"مش حانسكت هالمرة، والعيشة صارت مُرة مع اصحاب المعالي"، تصدح حناجر المتظاهرين في العاصمة اللبنانية بيروت احتجاجا على تكدس اكوام النفايات في شوارعها، والذين انتفضوا منذ ايام هناك علّ صوتهم يصل الى المعنيين ويحرّكهم.
"شوارع العاصمة حزينة بعدما اصابتها لوثة النفايات اللعينة"، قال ذلك لـ"المستقبل"، بائع الخضار في منطقة "الطريق الجديدة" المحلة الأكثر شعبية في بيروت. ابو علي صبرا لم يتوان عن كيل الاتهامات للقادة اللبنانيين "الزعما بيكذبو علينا، الشعب معتر"، يتصرف بأغنية المطربة الكبيرة فيروز "بيروت الشرائع بيروت الحضارة" لتصبح  "بيروت النفايات"، بنظره النفايات برائحتها الكريهة تبقى أقل ضررا من هواء ملوث تنفثه طبقة سياسية لبنانية "الزعما يريدون تخريب لبنان، وهم ينفثون سمومهم المذهبية، وهم الذين قسموا الشعب لطوائف وملل متناحرة".
انعدام الخدمات في ظل الحر
"تذمر شعبي" يسود  طول  لبنان وعرضه على سوء الأحوال وقطع طرقات واعتصامات، احتجاجا على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي ولمياه الشفة".  أم حسن القبرصلي هي ام لثلاثة أطفال قالت لـ"المستقبل" ان اولادها سيصابون بالجرب لأنهم لم يستحموا منذ فترة طويلة "لا ماء، ولا كهرباء". جام سخطها ينصب على المسؤولين اللبنانيين المتلهين (بحسبها) بزيادة ثرواتهم من دون النظر الى مايعانيه الشعب من أوضاع مرية، "لا أستثني أحدا من الزعماء السياسيين، ومن رجال الدين مسلمين سنة وشيعة ومسيحيين"، تقولها مردفة "أتوا الى الحكم بالمصاري، وسيخرجوا بالصرامي (اي بالأحذية)".

السياحة معدومة في جبل لبنان
 في جبل لبنان الذي ضرب موسم الاصطياف والسياحة فيه، نتيجة الاوضاع الأمنية والسياسية والأجواء المشحونة، حدثنا صاحب مطعم في مدينة عاليه التي كان يطلق عليها سابقا "عروسة المصايف" لافتا "انه ومنذ ربع قرن لم نشهد هذا الركود في حركة السياحة الوافدة والمقيمة"، مشيرا الى ان "نسبة الوافدين من الخليج هذا العام معدومة جدا".  ميمي صاحبة "ميني ماركت في منطقة كسروان راحت تهتف كمن يقود تظاهرة مطلبية احتجاجية "بدنا نأكل جوعانين!!".  
انتشار معدلات الجريمة
معدلات الجريمة ترتفع يوما بعد يوم، حتى زمن الحرب الاهلية وفوضى انتشار السلاح لم تسجل الجرائم الفردية المرتكبة هذا العدد المرتفع من الجرائم المرتكبة، فمؤخرا قتل ضابط لبناني مشهود بمناقبيته وبشجاعته، قتله أحدهم على خلفية اشكال وقع حول افضلية المرور. جريمة مروعة أخرى وقعت في شمال لبنان أب قتل ابنه لدوافع متعلقة بتوزيع الميراث، وقصص واقعية من هذا القبيل تحصل بشكل يومي وهي مرشحة الى المزيد بحسب مصادر قضائية التي كشفت لصحيفة "للمستقبل" ان سبب ازدياد معدلات الجريمة فضلا عن ظاهرة العنف التي تجتاح المجتمع والظروف الحياتية والمعيشية الصعبة التي تذهب بالبعض لإرتكاب افعال خارجة عن القانون، يكمن في الزبائنية السياسية والتغطية السياسية التي يوفرها بعض المسؤولين اللبنانيين في للمرتكبين والمجرمين.

ازمات سياسية مفتوحة بدون حلول
أزمات مفتوحة، يبقى أكبرها، تلك الأزمة الوطنية التي يعيشها لبنان، في ظل انقسام سياسي حاد وخطير يتخذ في أحيان منه، شكل الانقسام الطائفي والمذهبي والمناطقي ما يؤدي الى فقدان المناعة الوطنية واللحمة المطلوبة في ظل خطر ارتدادات الحروب والفتن التي تعيشها المنطقة الى داخله.
 كما يرى المراقبوان ان هناك انسدادا في افق الحل والمعالجة للمشاكل الدستورية والوطنية ، فلا أحد يتوقع ان يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في وقت قريب بعد مضي خمسة عشر شهرا على شغور هذا الموقع، بينما يختلف الاقطاب المكونون للحكومة اللبنانية حول آلية عملها في ظل شغور موقع الرئاسة مما يشل حركتها ويجعلها غير منتجة ومعطلة، ورئيسها تمام سلام يبقى على خيار التقدم باستقالته قائما الى اجل غير مسمى . واذ نفذ سلام تهديده ومضى في استقالته فسيقع لبنان في فراغ دستوري وأزمة دستورية كبرى.
الشارع اللبناني في حالة غليان
"أزمات بالجملة، وهي مرشحة الى المزيد من التفاقم والتأزم"  قال ذلك،  لـ"المستقبل" الصحافي اللبناني محمد الزعتري  مشيرا الى ان "الوضع في لبنان بلغ مرحلة متقدمة من الخطر المحدق به، وان الشارع في لبنان يغلي، فإضافة الى تحد مواجهة الارهاب، هناك مخاطر حقيقية من اتساع رقعة الفوضى المنتشرة راهنا في لبنان، وهي فوضى على كافة الأصعدة، أمنية وسياسية واجتماعية".
الاعلامي المخضرم يشير الى ان اتساع الازمات واشاعة المزيد من الفوضى قد يكون في اطار سيناريو مدروس هدفه الوصول الى انتاج تسوية سياسية ما في لبنان، مؤكدا ان ما يمنع الانفجار الكبير في لبنان حاليا هو ان لا قرار اقليميا أو دوليا في تفجير الوضع على الساحة اللبنانية. "/المستقبل/" انتهى ل . م